خرائــط برنـارد لويــس: 1992

مرت 10 سنوات على خطة يينون، جرت فيها مياهٌ كثيرة، ما خططه لمنطقة الشرق الأوسط، حدث في مناطق أخرى من العالم، سقط الاتحاد السوفيتي وتفكك إلى 15 دولة، امتد التقسيم لتشيكوسلوفاكيا في شرق أوروبا، وبدأ تفتيت يوغوسلافيا السابقة إلى 4 دويلات، خروج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان قبل سقوطه لم يؤد إلى استقرار، بل إلى حرب أهلية حامية الوطيس بين المجاهدين، تشكلت المقاومة ضد الكيان الصهيوني، حزب الله في جنوب لبنان وحماس في فلسطين، قامت الانتفاضة ضد الاحتلال الصهيوني.

تصدعت القومية العربية تصدعًا مدمرًا بعد غزو الكويت وحصار العراق ومشاركة أمريكا مع عرب مسلمين في قتال عرب مسلمين بشكل مباشر للمرة الأولى، ثم تواجدها العسكري غير المسبوق في دول الخليج لحماية النفط والعروش، ولكن إلى جوار مقدسات المسلمين أيضًا، مما استفز بعض المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي.
في هذه الأجواء، خرجت خرائط برنارد لويس، والحقيقة أن له خريطة سابقة أصدرها في سنة 1974، ولكنها كانت تستهدف نهش أطراف الاتحاد السوفيتي أما الخرائط الجديدة، فقد اختصت الشرق الأوسط، وبدت وكأنها نموذجا معدلا لخطة يينون، في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
يقوم مشروع برنارد لويس أيضًا على تقسيم المنطقة طبقًا لخطوط عرقية طائفية لغوية، ويتطرق للبننة (نسبةً للبنان) وكذلك الحرب العراقية الإيرانية، عندما زود الغرب كل الأطراف بالأسلحة الفتاكة لكي يظل القتال مستمرًا لأطول فترة ممكنة قبل أن يدرك المتصارعون كم كانوا أغبياء.
ويعتبر برنارد لويس غزو العراق للكويت النهاية الفعلية لسيطرة العرب على سلاح البترول، فلن تتمتع بعده أية دولة نفطية بالاستقلال أو القوة، وكلمة السر هي (التحكم من الخارج)، دون الحاجة لاحتلال عسكري على الأرض إلا بالقدر الذي يحمي موارد البترول إذا تعرضت لخطر مسلح.

بمقارنة خريطة لويس مع خطة يينون، نجد أنهما اتفقا على محو الدولة اللبنانية من الوجود وتقسيم العراق لـ3 دويلات: سنية وشيعية وكردية، وضم سيناء لـ”إسرائيل”، ولكن برنارد لويس اختلف مع يينون في الآتي:
– استبعد تقسيم مصر، (على أن تضم إسرائيل سيناء كما في خطة يينون).
– استبعد تقسيم سوريا.
– ركز لويس أكثر على منطقة شرق الخليج العربي: إيران وأفغانستان وباكستان وكيفية تقسيمها، وقد ذكر يينون ذلك ولكنه لم يتطرق للتفاصيل.
خطة برنارد لويس لا تكتفي بخرائط صماء تستغل الصراعات الطائفية والعرقية، ولكنها اشتملت أيضًا على إشعال 9 حروب في المنطقة، وعاشرتهم حرب البلقان في أوروبا التي توقع أن تمتد لشرق البحر المتوسط، تلك الحروب ستسرع عجلة تقسيم المنطقة، وبعد التقسيم تنشب حرب أخرى كبرى عربية-إيرانية بمجرد هيمنة إيران على الدويلة العراقية الشيعية.

أشار لويس لدولتين فقط، ينبغي الحفاظ على استقرارهما وقوتهما واستقلالهما والاعتماد عليهما:
إسرائيل وتركيا (أيام الانقلابات العسكرية على الحكومات ذات التوجه الإسلامي)، إلا أن ذلك لم يمنعه من طرح تصور الدولة الكردية التي تقتطع جزءًا من تركيا.
من المثير للاهتمام أن لويس تكلم عن تنظيمات إسلامية مسلحة مصنوعة في بريطانيا، وأن استبداد الحكام في الدول الإسلامية سيغذي تلك الميليشيات، مما يصب في مصلحة خطط التقسيم، إذ أن الانتصارات العسكرية لهؤلاء ستساهم بصورة كبيرة في إضعاف السلطة المركزية، ومن ثم تؤدي إلى سقوط الدول القائمة فقط على جبروت النظام حيث تغيب المجتمعات المدنية الصلبة التي تحفظ نظيراتها في الغرب.
بعد 10 سنوات من نشرها، وجدت رؤى برنارد لويس الاستعمارية النفطية ضالتها في إدارة جورج دابليو بوش التي استعانت بلويس كمستشار لها قبل غزو العراق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *