لماذا اخترنا الملف؟

لم تخف الولايات المتحدة الأمريكية صدمتها من سرعة انهيار نظام الرئيس المصري حسني مبارك الذي كان من أكبر أنظمة العالم العربي موالاة لها؛ ولم يختلف معها إلا بشأن ما يتعلق بالمحافظة على استمراره، حيث كانت واشنطن تتوقع حدوث اضطرابات تؤثر على استقرار النظام وطالبت بفتح الباب أمام المعارضة بشكل أكبر؛ الأمر الذي كان مبارك يعتبره تهديدا لكرسيه، وحاول الجناح الإعلامي الموالي للنظام أن يصور الأمر على أنه تدخل أجنبي في شؤون مصر؛ رغم أن النظام نفسه كان يستجيب لكل ما يمليه عليه الغرب وواشنطن بشأن القضية الفلسطينية والموقف من المقاومة وغلق قطاع غزة، والعلاقات مع الكيان الصهيوني، وهو القضية الأهم بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة.
كما أن نظام مبارك وقف ساكنا أمام غزو العراق وممارسات الاحتلال ضد شعبه؛ من هنا كان موقف واشنطن متأرجحا في بداية الثورة بين الاستجابة لمطالب الثوار بشأن الإصلاح وبين موافقتها عن جدية الخطوات التي اتخذها مبارك في هذا الاتجاه قبل تنحيه؛ فمرة تقول إنه يجب أن يبدأ نقل السلطة في مصر فورا؛ ومرة تقول إنها تثق في أن إجراءات نقل السلطة قد بدأت في مصر، وهو ما جاء على لسان مبعوثها الذي حاول أن يطمأن الرأي العام على مجريات الأمور ويشيد بتوجه نظام مبارك للإصلاح.
أما في ليبيا فالمشهد كان أكثر مأساوية حيث صمتت واشنطن تماما على ما يجري، ثم خرجت بتصريحات تعبر عن قلقها قبل أن تفوح رائحة جرائم القذافي ضد شعبه فتقرر إرسال قطع حربية إلى البحر الأبيض؛ وهو وضع إن دل فإنما يدل على أن تفكيرها ينصب على حماية مصالحها وتدفق البترول إليها بصرف النظر عن الأوضاع الإنسانية في ليبيا، لقد فرضت الولايات المتحدة حظرا على الطيران فوق ليبيا أيام أزمة لوكيربي التي راح فيها المئات من أصحاب “البشرة البيضاء”، أما الآن والآلاف يقتلون من أبناء “البطة السوداء” في ليبيا فهي تتردد في فرض هذا الحظر وتتحجج بأعذار واهية، وتفكر في كيفية التدخل العسكري وهو أمر يرفضه الثوار قبل القذافي لأنه سيصبح احتلالا آخر لدولة عربية للسيطرة على نفطها وتتكرر المآسي التي حدثت في العراق..
إن موقف أمريكا من بعض الحكام المستبدين في المنطقة تدعو للاندهاش من “النظام الديمقراطي” الذي جيش الجيوش وأدخل العالم كله في سرداب مظلم قبل عدة سنوات بدعوى نشر “الحرية والديمقراطية” وأسفرت الحرب عن سقوط نظام “دكتاتوري” في العراق وإقامة نظام “طائفي” وتفتيت البلاد شيعا وأحزابا؛ وتدمير اقتصادها وبنيتها الأساسية مع بقاء بقية الأنظمة الدكتاتورية التي ترتبط مع واشنطن بمصالح عميقة والتي لم تسقط إلا بأيدي شعوبها بعد أن فاض بها الكيل.
والآن تأتي أمريكا لمحاولة اختراق هذه الثورات وإملاء شروطها عليها وتحذيرها من “الرجعية والتطرف”!! في إشارة إلى من يتبنى المرجعية الإسلامية سبيلا للإصلاح..
إن المهم لواشنطن في المنطقة العربية هو الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني وتأمين تدفق النفط وتحجيم الحركات والجماعات الإسلامية حتى لا تهدد مصالحها، أما حرية الشعوب ورفاهيتها وتقدمها فلا يهمها من قريب أو بعيد لأنها ببساطة لا تهم المواطن الأمريكي النفعي الذي لا يعلم ما يدور حوله إلا إذا أثر على حياته اليومية. (الموقف الأمريكي البهلواني من الثورات العربية).
أما في أوروبا فقد حذر وزير الخارجية الألماني جيدو فيسترفيله شن ما وصفه بـ”حملة صليبية” على ليبيا، مشددًا على أهمية ألا تنزلق أوروبا في حرب في شمال إفريقيا.
ودعا الوزير الألماني في مستهل الاجتماع غير الرسمي لوزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في مدينة جودولو القريبة من العاصمة المجرية بودابست، المجتمع الدولي إلى التحفظ في المقترحات التي تدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا ، مطالبا بدلا من ذلك بالحوار مع الدول المجاورة لها.
وفي فرنسا نشرت “الصحيفة” الفرنسية عدة سيناريوهات تتوقعها فرنسا للثورة الشعبية في مصر ونتائجها وتأثيراتها على الأوضاع في المنطقة والعالم، وذلك بعدما طالب العديد من مسئولي الحكومة في باريس أن تكون الدبلوماسية الفرنسية أكثر فاعلية واعترافهم بتجاهل حقيقة الأوضاع في العالم العربي.
وأوضحت الصحيفة أربع سيناريوهات محتملة أولها حدوث أزمة سياسية وربما مع بعض المشاكل الأمنية قد تستمر عدة سنوات.
والثاني وجود حكم عسكري مقنع في حال لم تستكمل التظاهرات مطالب التغيير الحقيقي إلى النهاية.
وثالثهما تراجع في الدورة الاقتصادية نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني، الأمر الذي سيخلق حالة من البطالة الجديدة خصوصا في قطاع السياحة الذي يجلب الجزء الأكبر من الاحتياطي المصري من العملات الصعبة.
و أخيراً ضغوط أميركية من زاوية الاقتصاد للتحكم باللعبة السياسية المصرية أو جزء منها.
وإلى حين كتابة هذه الأسطر لم تتوصل “مجموعة الثماني الكبار” (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكندا وإيطاليا وألمانيا واليابان وروسيا) إلى اتفاق حول تدخل عسكري في ليبيا، فيما انتهى اجتماع مجلس الأمن دون إصدار قرار وسط أنباء عن وجود انقسام دولي حيال فرض حظر جوي يمنع النظام الليبي من استخدام سلاح الجو لضرب المعارضة.
لا شك أن الأيام القادمة حبلى بالأحداث الكبيرة والمؤثرة في المنطقة العربية؛ فلا زالت الأحداث تتسارع ويتلو بعضها بعضا؛ ولا زالت الثورات مندلعة في العديد من الدول العربية؛ ولم يتضح إلى حد الساعة ما ستسفر عنه الأحداث؛ إلا أن بصمة الغرب فيما يجري ومحاولته استغلال الوضع لصالحه بادية للعيان.
ولتجلية الصورة أكثر اخترنا فتح هذا الملف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *