العِفَّة ومراعاة الحاجات النفسية للشباب

 

نبينا مُحمد صلى الله عليه وسلم كان مُدْرِكا ومُراعِيّاً لطبيعة مشاعر الشباب وتفكيرهم، ولذلك كان يحثهم على الزواج والعفة.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب مَنِ استطاع منكم الباءة (الزواج) فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء (وقاية)) رواه البخاري.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمامٌ عادل، وشابٌ نشأَ في عبادة الله، ورجلٌ ذكر اللهَ في خلاءٍ ففاضت عيناه، ورجلٌ قلبُه معلق في المسجدِ، ورجلان تحابا في الله، ورجلٌ دعته امرأةٌ ذاتُ منصبٍ وجمالٍ إلى نفسها فقال: إني أخافُ الله، ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلمَ شمالُه ما صنعتْ يمينُه) رواه البخاري.

وفي غزوة الأحزاب (الخندق) أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الشباب ليذهبوا إلى بيوتهم، لا سيما مَنْ كان حديث عهد بعُرْس (زواج).

يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه محدثًا عن شاب كان معهم في غزوة الأحزاب، فكان ذلك الفتى يستأذن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار فيرجع إلى أهله، فاستأذنه يومًا فقال: (خُذْ عليك سلاحك، فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْكَ قُرَيْظَة) رواه مسلم.

وعن مالك بن الحويرث رضي الله عنه قال: (أتينا إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم ونحن شبَبَة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، وكان رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم رحيماً رفيقاً، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلَنا، أو قد اشتقْنا، سألنا عمن تركنا بعدنا فأخبرناه، قال: ارجِعوا إلى أهلِيكم، فأقيموا فيهم وعلِّموهم ومروهم) رواه البخاري.

قال النووي: “قوله: (ونحن شببة متقاربون) جمع شاب، ومعناه متقاربون في السن، قوله: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا) هو بالقافين هكذا ضبطناه في مسلم، وضبطناه في البخاري بوجهين أحدهما هذا والثاني (رفيقا) بالفاء والقاف وكلاهما ظاهر”. (فظَنَّ أنَّا قد اشْتَقْنا إلى أهْلِنا) أي: أدْركَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم حالَهم ومُرادَهم بالعودة إلى دِيارِهم وأهالِيهم، وراعَى مَشاعِرَهم، وهذا من حكمته ومِن جَميلِ خُلقِه وطِيبِ عِشرتِه وعَظيمِ رِفقِه بالشباب..

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الشباب على العفة، ويساعدهم عليها، لكن بعض النفوس أحياناً قد تغفل، ولا يوقظها إلا شيء مِنَ الحكمة والرفق، وهذا ما فعله صلوات الله وسلامه عليه مع أحد الشباب الذي نازعته شهوته ونفسه، فأعاده إلى طريق العفة والطهارة.

عن أبي أُمامة رضي الله عنه قال: (إن فتى شابا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادْنُه (قرِّبْه)، فدنا منه قريبا، فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال صلى الله عليه وسلم: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، ثم وضع يده على صدره وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحَصِّن فرْجه، فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه) رواه أحمد.

قال ابن حجر: “وفيه الرفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا”.

وقال النووي: “وفيه الرّفق بالجاهل، وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيفٍ ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافاً أو عناداً”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *