العَدْوَى: انتقال المرض مِن المريض إلى الصحيح، والعدوى اسمٌ مِنَ الإعْداء، وهو مجاوزة العِلَّة مِنْ صاحبها إلى غيره، والمنفيّ ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العِلَّة تسري بطبْعها لا بقدر الله عز وجل.
والطيرة هي: التشاؤم ببعض الطَيْر والحيوان، والأسماء والألفاظ، والبقاع والأشخاص..
ومِن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ لنشر عقيدة التوحيد، وإزالة الشرك والأوْهام التي تفسد وتعبَث بالعقائد والعقول، ومِنْ ثم نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاعتقاد بأن المرض يعدي بنفسه لا بقدر الله عز وجل، ونهى عن التطير والتشاؤم، وحث على التفاؤل والكلمة الطيبة..
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا عَدْوَى ولا طِيَرَة (تشاؤم)، ويعجبني الفأل. قالوا: وما الفأل؟ قال: كلمة طيبة) رواه البخاري.
ولما كان الخير والشر كله مُقَدَّر مِنَ الله عز وجل، نفى النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تأثير العدوى بنفسها، ونفى وجود تأثير للطيرة، وأقر التفاؤل واستحسنه، وذلك لأن التفاؤل حُسْن ظن بالله تعالى، وحافز للهمم على تحقيق المراد، بعكس التطير والتشاؤم.
وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بين محذورين ومرغوب، فالمحذوران هما العدوى والطِيَرة، والمرغوب هو الفأل، وهذا مِنْ حُسْن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمته..
قال البيضاوي في “تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة”: “يريد بالعدوى مجاوزة العِلة مِنَ المعلول إلى غيره، والمعنى: أن مصاحبة المعلول ومواكلته لا توجب حصول تلك العلة لتخلفها عن ذلك طردا وعكسا.
أما الأول: فلأن كثيرا ما يصاحب الرجل مَنْ هو مجذوم أو أجرب ولا تتعدى إليه علته، وإليه أشار فيما روى جابر: أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد مجذوم فوضعها معه في القصعة.
وأما الثاني: فلأن أكثر ما يعرض هذه الأمراض إنما تتعرض حيث لا تكون ثم تعدية، وإليه أشار في الحديث الذي بعد هذا بقوله: (فمَن أعْدى الأول؟)، لكنها قد تكون مِن الأسباب المُقَدَّرَة التي تعلقت المشيئة بترتيب تلك العِلة عليها بالنسبة إلى بعض الأشخاص بإحداث الله تعالى. فعلى العاقل أن يتحرز عنها ما أمكن تحرزه عن الأطعمة المؤذية، والأشياء المخوفة، وإليه أشار بقوله: (وفِرّ مِنَ المجذوم كما تفر مِنَ الأسد)”.
وقال الطيبي في “الكاشف عن حقائق السنن”: “قوله: (لا عدْوَى): العدوى هنا مجاوزة العلة مِنْ صاحبها إلى غيره. يقال: أعدى فُلانٌ فلانا. وذلك على ما يذهب إليه المتطببة (أهل الطب) في علل سبع: الجذام، والجرب، والجدري، والحصبة، والرمد، والأمراض الوبائية. وقد اختلف العلماء في التأويل، فمنهم مَنْ يقول: إن المراد منه نفي ذلك وإبطاله على ما يدل عليه ظاهر الحديث، والقرائن المسوقة على العدوى، وهم الأكثرون. ومنهم مَنْ يرى أنه لم يرد إبطالها فقد قال صلى الله عليه وسلم: (فَرّ من المجذوم كما تفر من الأسد) وقال: (لا يوردن ذو عاهة على مصح).
وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة، فإنهم كانوا يرون أن العلل المُعْدية مؤثرة لا محالة، فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على ما تتوهمون، بل هو متعلق بالمشيئة إنْ شاء كان، وإنْ لم يشأ لم يكن”. وقال ابن هبيرة في “الإفصاح عن معاني الصحاح”: “لا يجوز أن يقول قائل: أعداني مرض فلان، ولا يجوز التطير وكل ذلك تخيلات فاسدة”.
وقال ابن الجوزي في “كشف المشكل من حديث الصحيحين”: “(لا عدوى ولا طيرة) كانت العرب تتوهم الفعل في الأسباب، كما كانت تتوهم نزول المطر بفعل الأنواء، فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (لا عَدوى) وإنما أراد إضافة الأشياء إلى القدر، ولهذا قال في حديث أبي هريرة: (فمَنْ أعْدى الأوَل؟)، ونهى عن الورود إلى بلد فيه الطاعون لئلا يقف الإنسان مع السبب وينسى الْمُسَبّب”.