هل نحن بحاجة فعلا إلى قراءة جديدة لنصوص الكتاب والسنة؟ نبيل الزناسني

باتت شبهة “إعادة قراءة النصوص قراءة جديدة تتواكب مع متطلبات العصر الذي نعيشه” ديدن العلمانيين في كل خرجاتهم الإعلامية، فلا يكاد يمرُّ برنامج يتطرق لأمر الدين من قريب أو بعيد إلا وأصرَّ بنو علمان على تمرير هذه الشبهة إلى المستمعين أو المشاهدين، مستدلين على ذلك بما جاء عن عمر رضي الله عنه من إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم، وتعطيل إقامة حد السرقة في عام الرمادة.
وهي شبه بيِّنة التهافت عند كل باحث منصف، فتعطيل الخليفة الراشد لحد السرقة ليس هو من باب تعطيل الحدود وإنما هو من باب درء الحدود بالشبهات؛ وهذه قاعدة في إقامة الحدود أنها تدفع بالشبهات، لأنه في عام الرمادة عمت المجاعة، وكثر المحاويج والمضطرون، فيصعب التمييز بين من يسرق من أجل الحاجة والضرورة، ومن يسرق وهو مستغن، ولهذا أسقط عمر رضي الله عنه القطع عن السارق في عام المجاعة، كما أخرج ذلك عبد الرزاق عن معمر عن يحيى بن أبي كثير قال: قال عمر رضي الله عنهما: “لا يقطع في عذق، ولا عام السنة”، والعذق هو: النخلة أو الغصن من النخل فيه ثمره، وعام السنة: المراد بالسنة: الجدب، والقحط، وانقطاع المطر، ويبس الأرض.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في إعلام الموقعين في معرض حديثه عن تغير الفتوى بتغير الزمان والمكان: “قال السعدي رحمه الله تعالى: سألت أحمد عن هذا الحديث فقال: العذق النخلة، وعام سنة: المجاعة، فقلت لأحمد: تقول به؟ فقال: إي لعمري، قلت: إن سرق في مجاعة لا تقطعه؟ فقال: لا، إذا حملته الحاجة على ذلك، والناس في مجاعة وشدة.
قال ابن القيم: “ومقتضى قواعد الشرع إذا كانت السنة سنة مجاعة وشدة، غلب على الناس الحاجة والضرورة، فلا يكاد يسلم السارق من ضرورة تدعوه إلى ما يسد به رمقه، ويجب على صاحب المال بذل ذلك له إما بالثمن أو مجاناً على الخلاف في ذلك، والصحيح وجوب بذله مجاناً؛ لوجوب المواساة، وإحياء النفوس مع القدرة على ذلك، والإيثار بالفضل مع ضرورة المحتاج، وهذه شبهة قوية تدرأ القطع عن المحتاج”.
والحاصل أن الشبهة إذا وجدت يدرأ بها الحد.
ولما أوقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه سهم المؤلفة قلوبهم لم يكن هذا تحكما في الشريعة أيضا، ولم يوقف العمل بالنص لأنه لا سلطة له في ذلك، فقد رأى أن تأليف القلوب لم يعد له حاجة في زمنه، وتأليف القلوب إنما كان من أجل الإصغاء إلى الخطاب الشرعي، أو من أجل ضمان حيادية المؤلفة قلوبهم ودرء خطرهم، فلما اشتدت شوكة الإسلام وقويت أصبح التأليف بالمال لا يؤدي إلى الغاية المرجوة منه، فصار حفظ أموال المسلمين أمرا لازما، وقد تبين الرشد من الغي، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “إن الله قد أغنى الإسلام وأعزه اليوم.. فالحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”، (انظر منهج عمر بن الخطاب في التشريع، للدكتور محمد بلتاجي).
فمثل هذه الاجتهادات “لم تعطل أحكاما بسبب النظر المصلحي، أو أن العقل توصل إلى تغيير ذلك، بل لم يقع تطبيقها لأنها بعد النظر والتحقيق تبين أن مناطاتها وشروطها لم تتوفر بعد، وأن مصالحها المعتبرة المنوطة بها ليس لها وجود لو طبقت على ذلك الوضع، فهي في الحقيقة معللة بالمصالح المشروعة المعتبرة وجودًا وعدمًا، وليس بتوهم المصالح الخيالية”.
ثم لنسائل من يطالب بقراءة القرآن والسنة قراءة جديدة:
بأي منهج سنجري هذه القراءة والمسلمون قد تشعبت بهم الملل وتفرقوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون؟
ومن سيقيم هذه القراءة العلماء أم السياسيون أم المثقفون؟
وعلى ماذا سترتكز هذه الدراسة على حقوق الإنسان أم على حقوق الله؟
وهل يرضى دعاة “القراءة الجديدة” أن تطبق حدود الشريعة التي تعتبرها حقوق الإنسان ودعاتها عقوبات وحشية همجية؟
ثم أليست نتائج هذه “القراءة الجديدة” محسومة قبل أن تبدأ ويلخصها دعاتها في:
1- إبطال العمل بالشريعة الإسلامية في البلدان التي تطبق فيها.
2- الفصل بين الدين والسياسة.
3- المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث وعلى الإطلاق.
4- ملاءمة القوانين الوطنية لمقتضيات المواثيق الدولية خصوصا المتعلقة بالمرأة والحرية الشخصية وإن خالفت صريح القرآن والسنة.
إذن، فالدعوى مشبوهة، وأصحابها علمانيون لا يخفون علمانيتهم، والنتائج محسومة سلفا، وخلاصتها تنحية ما تبقى من دين الإسلام في كتب العلم، بعد أن نحيت الشريعة الإسلامية عن مقاليد الحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *