يأبى بعض أبناء جلدتنا في هذا البلد المسلم إلا أن يضرب عرض الحائط بثوابتنا ويهين كرامتنا ويستفز مشاعرنا ويهدر مقدراتنا وثرواتنا بدون وجه حق، ويخطئ من يظن أن ما يقع من تمييع للمجتمع وإشغال شبابه بالرقص والأغاني والحيلولة بينه وبين دينه وتاريخه، يخطئ من يظن أن ذلك مجرد مصادفة. إنه مشروع مدروس بعناية فائقة وبرنامج محدد المعالم والأهداف والوسائل والمنطلقات. من أجل تجميد رأس مال هذه الأمة (شبابها)، من أجل تخدير هذا الشباب وإشغاله بنزواته وشهواته لتمرير المشاريع الهدامة والاستيلاء على ثروات الأمة وضرب عقيدتها وطمس معالمها وتشويه رموزها.
لقد أصبحت المهرجانات في السنين القليلة الأخيرة ظاهرة ملفتة للأنظار مثيرة لكثير من الأسئلة. ورغم أن المهرجانات ارتبطت في ما مضى بالأضرحة والمواسم إلا أنها لم تكن بهذا الشكل وبهذه الإمكانيات وبهذا الفجور والعهر. بهذا الاهتمام والدعاية وبهذه الحشود والجماهير. وبالرغم من الاستنكار والمقاومة الشديدة التي ووجهت بها هذه الحفلات الساقطة الماجنة. إلا أن أصحاب الشأن أبو إلا أن يسيروا قدما في مخططهم. الذي لم تعد تخفى أهدافه على كل صاحب عقل. ولم يعد بمقدور الغيورين إلا تسطير مثل هذه الكلمات التي لا تغير من الواقع شيئا. ثم انتظار انتهاء هذه المهرجانات والفم يلهج بالتضرع إلى الله بعدم المؤاخذة على ما يفعله سفهاؤنا.
حقا إن الحليم ليقف حيرانا أمام هذه التناقضات والمفارقات العجيبة، في بلد يقيم الدنيا ولا يقعدها من أجل التسليمة الواحدة والتسليمتين في الصلاة انتصارا للمذهب المالكي، لا يجد مسئولوه العري والعهر والخمر والزنا والسرقة والربا وتجويع الناس لا يجدون ذلك مخالفا للمذهب المالكي. في بلد يعاني الفقر والبطالة لايتحرج القائمون بأمره من صرف 60 مليون سنتيم كراتب شهري لمدرب لكرة القدم تم استيراده من فرنسا. وهذا فقط الجزء الظاهر من جبل الجليد. أما الملايير التي تصرف على المغنيين والراقصين فإن الكلام فيها يصيب الإنسان بعسر الهضم. ويكفي أن نعرف أن الميزانية الإجمالية لمهرجان “موازين” بلغت 3 مليارات و200 مليون سنتيم. وإلى الذين لم يسمعوا عن هذا المهرجان. اسمحوا لي أن ألوث مسامعكم بهذه المعلومات، وناقل العهر ليس بعاهر.
احتضنت الرباط الدورة السابعة لمهرجان “موازين” طيلة المدة الممتدة من 16 إلى 28 بمشاركة 40 دولة ساهمت بأكثر من 100 عرض، توزعت على تسع بؤر، واحدة على ضفاف نهر أبي رقراق، وواحدة قرب المحطة الطرقية بالقامرة، وواحدة بحي الرياض وحي النهضة وساحة مولاي الحسن، ونزهة حسان، وفضاء شالة، ودار الفنون ومسرح محمد الخامس. وتراوح ثمن الدخول بين المجانية و 800 درهم للتذكرة الواحدة. للتملي بطلعات المغنيين والراقصين البهية. وهذا نموذج لبعض من تم استدعاؤهم مغنية أمريكية مدمنة على الهيروين تعرضت لمحاولة قتل على يد ابنتها مؤخرا. ومن بين المستدعيات أيضا للرقص على جراحنا وتلويث هوائنا بصيحاتها ونهب أموالنا. المغنية (اليهودية) سيدر زيتون. التي أعجب مسئولون كبار في بلادنا بأغانيها كما صرحت لموقع صوت (اسرائيل) فوجهوا لها الدعوة للمشاركة في الدورة السابعة للمهرجان. وهكذا يتم التضامن مع الفلسطنيين ومواساتهم. بل هكذا يتم مواساة أقرباء ضحايا محرقة ليساسفة الذين لم تندمل جراحهم ولم يجففوا دموعهم بعد. وهل من محض المصادفة أن يتزامن هذا العبث مع الذكرى الخامسة لأحداث 16 ماي التي لازالت غامضة ولازالت أسئلة كثيرة حولها معلقة دون أجوبة؟ أم أن هذه مواساة على الطريقة الحداثية..؟ هكذا فلتكن المواساة والإنسانية والتضامن الذي يتشدق به دعاة الحداثة والانفتاح. هل مصادفة أن تتزامن هذه الاحتفالات مع الامتحانات الدراسية بكل ما يرافقها من تشويش واحتلال لفضاءات يلجأ إليها التلاميذ قصد المذاكرة والمراجعة.
ليس هناك أي تفسير لكل هذا العبث. إلا الاستخفاف بهذا الشعب وإهانته وإذلاله. وتدنيس مقدساته ونهب ثرواته.
أبعد الله عنكم المهرجانات وأصحابها، وكل16 ماي وأنتم بعافية.