ماذا تعرف عن السلفية؟؟ محمد أبوالفتح

السلفية في تصور بعض الناس دين خاص بالسّعودية، وعند آخرين السلفية مرتبطة بظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، التي ينعتها أعداؤها بالحركة الوهابية، وطائفة أخرى هي أفقه من سابقتيها قليلا ترد ظهور الدعوة السلفية إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية. هذه هي المفاهيم الشائعة للسلفية عند عوام الناس، لكن من عنده علم بحقيقة هذه الدعوة المباركة، يعلم أنها أوسع وأشمل من أن تقيد بالحدود الجغرافية والسياسية لدولة حديثة معاصرة، كما أن جذورها ضاربة في عمق التاريخ وأبعد من أن ترد إلى الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولا حتى إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله جميعا، وإن كان هؤلاء جميعا بمنـزلة لآلئ في عِقْدِ الدعوة السلفية، يمتد هذا العقد عبر تاريخ الأمة الإسلامية.

فكلمة “السلفية” نسبة إلى “السلف”، وهم في اللغة كل من تقدمك من آبائك وقرابتك (القاموس المحيط: مادة سلف). والمقصود بالسلف في اصطلاح العلماء، جيل الصحابة رضي الله عنهم، ثم التابعين لهم بإحسان، ثم أتباعهم على طريقتهم؛ أي: هم أهل القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية، الذين قال فيهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم”(متفق عليه)، ويُلحق بهؤلاء الكرام كل من سار على دربهم واقتفى أثرهم ممن جاء بعدهم. هؤلاء السلف الكرام هم الذين قصدهم الإمام مالك رحمه الله حين قال: “من أحدث في هذه الأمة شيئا لم يكن عليه سَلَفُهَا فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة؛ لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً، فما لم يكن يومئذ دينا لا يكون اليوم دينا” (الاعتصام للشاطبي2/306- 307). هؤلاء السلف هم الذين قصدهم الإمام عبد الله بن المبارك بقوله “دَعُوا حديث عمرو بن ثابت فإنه كان يسب السلف” (مسلم في المقدمة1/16). وهم الذين قصدهم إمام أهل الشام، الإمام الأوزاعي بقوله: ” اصبِر نفسك على السنة، وَقِف حيث وقف القوم، وقُلْ بِمَا قَالُوا، وكُفَّ عما كَفُّوا عَنْه، واسلُك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم”(شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي1/154).
هؤلاء هم السلف، وأما السلفية باختصار فهي ما كان عليه السلف من الدين، وما هي إلا امتداد للإسلام الصحيح الذي كان عليه الجيل الأول، الذي تخرج من المدرسة النبوية، وهم الصحابة الكرام وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون، وباقي العشرة المبشرين؛ هذا الجيل المثالي الذي لم يَمْضِ إلى ربه، حتى أعطى مِشْعَل الهدى إلى الجيل الذي يليه وأوصاه به خيرا، فهذا ابن مسعود رضي الله عنه يقول: “اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم”(الإبانة لابن بطة1/335)، وهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول: “عليكَ بالاستقامة، واتبع الأمر الأول، ولا تبتدع” (الإبانة1/322)، وهذا عمران بن حصين رضي الله عنه يقول لجيل التابعين: ” أَيْ قَوْمِ! خذوا عنا، فو الله إلا تفعلوا لتضِلُّن”(الجامع لابن عبد البر2/191)؛ فاستلم جيل التابعين هذا المشعل المبارك، ثم لم يَمْضِ إلى ريه حتى أعطاه إلى الجيل الذي يليه وأوصاه به خيرا، وهم أتباع التابعين، ومنهم إمامنا مالك، وقد كان رحمه الله من أشد الناس حرصا على السنة، ودعوة إلى اتباع السلف الصالح، ونهيا عن الإحداث في الدين، فلم يمت رحمه الله، حتى قام بما يجب عليه، و أسلم مِشْعَلَ الهدى إلى الجيل الذي يليه، وهكذا يأخذه جيل عن جيل، إلى يومنا هذا، فإسناد هذه الدعوة متصل لم يصبه انقطاع ولا إعضال؛ إذ لم يَخْلُ جيل من الأجيال من عالم رباني سلفي، يقوم لله بحق البيان والبلاغ، وخير شاهد على ذلك كتب التراجم والعقائد التي نقلت مواقف السلف وأقوالهم التي نصروا بها السنة، وحاربوا بها الأفكار الدخيلة على الأمة عبر تاريخها، فتجدها عقيدة واحدة، ومنهجا واحدا، كتب الله له الاستمرارية، ليتحقق مصداق قول النبي صلى الله عليه وسلم:” لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”(متفق عليه).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *