شكك الكثير من المفكرين والكتاب والإعلاميين والناشطين في الرواية الرسمية الفرنسية لأحداث باريس، خصوصا ما تعلق بالهجوم المسلح ضد مجلة «شارلي إيبدو»، وعملية مطاردة المهاجمين المفترضين الذين انتهى بهم الحال بعد يومين بالقتل؛ وذلك بسبب عدة ملابسات وحيثيات ووقائع وصور وتسجيلات بالفعل تدفع إلى التساؤل وتجعل المتتبع يضع الكثير من علامات الاستفهام حول صحة ما تدعيه السلطات الفرنسية، خصوصا إذا علمنا أن كثيرا من هذه الأحداث تقف وراءها أجهزة المخابرات.
فعلم فرنسا بالعملية قبل يوم من الحادثة وعدم إيقافها!
وعملية تصوير قتل الشرطي الذي لم تسل منه قطرة دم واحدة ولم يتأذ رأسه مع قوة طلقة الرشاش!
واحترافية مهاجمي مقر «شارلي إيبدو» في استعمال السلاح!
وترك أحد المتهمين المفترضين بطاقة تعريفه في السيارة!
وتصريح إحدى الناجيات بأن أحد المهاجمين أزرق العينين!
وانتحار أحد المحققين في الحادثة!
واعتراف الشريك الثالث بالرغم من أن أصدقاءه نشروا في مواقع التواصل الاجتماعي بأنه كان يدرس معهم وقت الحادثة!
وقتل الأخوين كواشي مع إمكانية إلقاء القبض عليهما حيين!
و.. و.. و..
كلها تساؤلات تجعل المتثبت ومن له اطلاع ودراية بحوادث سابقة شبيهة، يشكك في الرواية الرسمية للسلطات الفرنسية؛ غير أنه بالمقابل سيطرح عليه سؤالان:
أولهما: ماذا ستستفيد فرنسا من القيام بهذه الهجومات التي استهدفت قيمة القيم في فرنسا مهد العلمانية وهي حرية التعبير؟!
ثانيهما: وأي مكاسب قد يحققها الكيان الصهيوني من القيام بهذه العمليات في بلد حليف ومن أشرس المدافعين عن مصالحه؟!
لماذا يمكن أن تقف المخابرات الفرنسية وراء الأحداث؟
يبدو أن فرنسا ضاقت ذرعا بالمسلمين الذين يعيشون فوق ترابها والذين يقارب عددهم 5 ملايين، بسبب مشاكل صعوبة الإدماج التي يعاني منها أهل الضواحي، ومشاكل العنصرية والتهميش، ومظاهر التدين الإسلامي الذي شنت عليه فرنسا من قبل حرب منع الحجاب في المؤسسات التعليمية، ثم منع النقاب في الشارع العام، وضجة الذبيحة الحلال ومطاعم حلال، وكذلك مشكلة استمرار الهجرة، بالإضافة إلى الخوف من رجوع المشاركين في ساحات القتال إلى أراضيها بعد تلقيهم لتدريبات على استعمال السلاح..
ولكي تجد فرنسا ما يسوغ لها تغيير قوانينها لخدمة مصالحها في التضييق على المسلمين الذين صارت التقارير والدراسات تثبت بأنهم سيجتاحون القارة العجوز وتكون لهم الغلبة بعد سنة 2050، ولكي يسهل عليها منع أي مواطن فرنسي يريد السفر إلى ساحات القتال، لابد من القيام بهجوم مسلح على هدف يكن له المسلمون العداء الكبير، ولو باستغلال من هم مستعدون للقيام بمثل هذه العمليات، وتسهيل الأمور لهم، وهو ما كان ظاهرا في الكثير من ملابسات القضية، فماذا جنت فرنسا من الهجومات المسلحة؟
– جذب تعاطف الرأي العام الوطني والدولي، والتهيئة للقبول بتغيير القوانين، وهو ما صرح به وزير داخليتها من خلال المطالبة بتعديل «اتفاقية شنغن» التي لها تعلق بحركة مواطني الاتحاد الأوربي.
كما صرح رئيس الوزراء الفرنسي «مانويل فالس» بضرورة تحسين نظام التوقيف والتحقيق وتسهيل نظام التنصت.. وعزل السجناء الإسلاميين المتطرفين.
أما الرئيس الفرنسي السابق «ساركوزي» فقد أكد على أن الهجرة مشكل كبير تعيشه فرنسا، لصعوبة اندماج المهاجرين، وهي الرؤية التي تخدم اليمين المتطرف الذي يطالب بترحيل المهاجرين.
– الاستفادة من المعلومات المخابراتية للمشتبه فيهم من طرف جميع الدول، باعتبار أن الجميع سيشترك في الحرب الكونية ضد الإرهاب.
– مراقبة حركة المسافرين خارج التراب الفرنسي..
– القبول بأي قانون يستهدف المسلمين باعتبارهم المتهمين الأوائل في إنتاج «الإرهاب»، وزيادة التضييق على المظاهر الإسلامية مثل الحجاب في الشارع العام.
– زيادة الحصانة للمكون اليهودي في المجتمع الفرنسي دون أن يثير ذلك غضب الفرنسيين..
– سحب جانب من البساط في الحرب الأمريكية الدولية ضد الإرهاب..
لماذا قد يكون جهاز الموساد هو المدبر لهذه الهجمات؟
أول ما تبادر لذهني في علاقة جهاز الموساد بالأحداث هو سؤال: ما فائدة استهداف مطعم يهودي.. وما علاقتهم برسامي «شارلي إيبدو»؟!
والجواب: أنا لا تظهر لي أية علاقة سوى صرف النظر عن الموساد وإمكانية تورطه في الحادثة مثل تورطه في أحداث 11 شتنبر 2001..
وكذلك لصرف النظر عن الإجرام والوحشية الصهيونية، وعن أكبر وأعرق كيان إرهابي في العالم، والذي يقتل في كل يوم عددا من المسلمين في فلسطين وغيرها..
وحتى يأتي المجرم السفاح نتنياهو ليؤثث مقدمة المسيرة الباريسية، ويصرح بأنه يجب التصدي لخطر الإرهاب الإسلامي.. وليشترك في بث القنوات الفرنسية وغيرها مع مشاهد المسيرة بث قداس الكنيس اليهودي بسبب ضحايا المطعم اليهود..
وأما ما سيجنيه الكيان الصهيوني من القيام بهذه العملية، على عادة قياداته في تدبير حوادث «إرهابية» مثلها، وذلك للضغط والتحكم في قيادات الدول المستهدفة مصالحها:
– ردّ الصاع لفرنسا التي اعترفت بدولة فلسطين، وكذلك لأنها صوتت لصالح مشروع إنهاء احتلالها..
– الركوب على الأحداث، والظهور بمظهر الضحية التي تحتاج إلى استمرار تعاطف الغرب المخدوع أو الخانع، والمشاركة بل وتقدم المسيرة..
– النيل من العدو الأكبر «حركة حماس»، وهو ما فعل «نتنياهو» عندما طالب في سفارة باريس بتل أبيب بضرورة مواجهة جميع المنظمات الإرهابية بما فيها حماس..
– تجديد المطالبة بترحيل يهود فرنسا، لتسويغ المزيد من عمليات التهجير والاستيطان..
– إرغام فرنسا على الخضوع للوبي اليهودي، والقيام بحماية المعابد اليهودية باستمرار، والرفع من شأن المواطن الفرنسي اليهودي الذي له وطن قومي في فلسطين..
– حصر «الإرهاب» في أمة الإسلام، لإخضاع الحكومات العربية والإسلامية في مشاريع الصهيونية ضد الإسلام الحقيقي، الشامل لجميع مناحي الحياة..
خلاصة
أحداث باريس الجديدة تشبه كثيرا أحداث 11 سبتمبر 2001، ولذلك ففرنسا والغرب والكيان الصهيوني سيجنون منها كثيرا؛ في إكراههم للعالم الإسلامي على الدخول بلا قيود الخصوصيات في النظام العالمي الجديد، الذي لا يقبل بقيام دول إسلامية قابلة لتحكيم الشريعة الإسلامية؛ ولا باستمرار الجهاد في فلسطين وغيرها من الدول، وفي المقابل لن تجني الدول الإسلامية إلا الخضوع والخنوع، ومزيدا من مسخ مقومات الهوية الإسلامية..
فمتى يعي المخدوعون من بني جلدتنا حقيقة هذه الحرب القذرة، ويعملوا عقولهم ويفتحوا أعينهم ليتعرفوا على عدوهم الحقيقي الذي يحول دون نهضتهم واسترجاع مجدهم وعزهم؟!