بالتوحيد ابتدأ الأنبياء دعوتهم، وبه استهلوا أمانة الإصلاح، ومنه حملوا مسؤولية الإرشاد.
ومن الأدلة على ذلك: ما أنزله الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ)، وقوله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) معنى اعبدوه: أي وحدوه واستقيموا على دينه.
قال عبد الله بن عباس في هذا المعنى: (العبادة هي التوحيد).
“وجاء في صحيح البخاري أن رسول الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: “إنك تقدم على قوم من أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله”.
ولمسلم” :من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل”.
ومجمل القول هو أن كل من قلب نظره في القرآن الكريم وجده دعوة إلى التوحيد ونهيٌ عن الشرك، وعليه فإن الكلام في علمه كثير النيل، طويل الذيل لعظم قدره: و”شرف العلم تابع لشرف المعلوم” كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى”
وأقسامه ثلاثة:
1( توحيد الربوبية: وهو الإقرار بأن الله عز وجل هو الخالق والمالك والمدبر لا شريك له في ذلك، فلا رازق غيره ولا معطي سواه، قال تعالى: “أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” الأعراف، ومنا من يدعي أن الكون خلق صدفة وأن الطبيعة هي المتصرفة، ولم يتحكم في قلبهم بعد أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هو الناصر المعز المذل.
2 (توحيد الألوهية: هو الإيمان بأن الله عز وجل هو المعبود بحق، لا شريك له في ذلك، وعليه فلا يجوز صرف أي نوع من العبادة لغير الله عز وجل من صلاة أو توكل أو ذبح.. وفي بلدنا للأسف الشديد من يذبح لغير الله ويدعو غير الله ويحيى المواسم البدعية ويشيد الأضرحة ويعظم القبور، نسأل الله لنا ولهم الهداية.
ولا يجوز كذلك أن نعتقد أن العلمانية أو الليبرالية أو الحداثة.. أو غيرها من المناهج الباطلة أنها أعدل من المنهج الإسلامي أو مساوية له أو يسعنا أن نتبناها دون أن يكون في ذلك مخالفة للشريعة الإسلامية، ليس ثمة أعدل ولا أحكم ولا أنفع للناس كافة من شريعة الإسلام، من بيننا للأسف الشديد كذلك من يحاول تزويج الإسلام بالعلمانية، وتبرير وجودها في العالم العربي والإسلامي.
3) توحيد الأسماء والصفات: وهو الإيمان بكل أسمائه الحسنى، وصفاته العليا وإثباتها لله جل وعلا، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تمثيل، ومن بني جلدتنا من يعتقد عقيدة الحلول ووحدة الوجود وهو يسمع آيات الله تتلى عليه آلاء الليل وأطراف النهار فلا يخشع ولا يتعظ.
لذا يتعين علينا وعلى من جند نفسه للدعوة إلى الله جل وعلا، أن يعمل على تحقيق التوحيد في نفسه علما وعملا، وأن يستن بسنة الرسل في حرصهم على جناب التوحيد والدعوة إليه، فبه ناطحت أمتنا السحاب وبني صرح الدين عزيزا شامخا في عليائه.
إن تأييد الله جل وعلا ونصرته مقترنان بمدى اتباعنا لمنهج الأنبياء، ومن كان متبعا لهم كان له مثل ما لهم من التأييد والنصرة، قال عز وجل: “أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُون”، قال ابن تيمية رحمه الله: “من كان متبعا للرسول صلى الله عليه وسلم كان الله عز وجل معه بحسب هذا إلا تباع”، وقال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ”. وإنه بسبب ضعف توحيدنا وكثرة ذنوبنا وتنازعنا وتفرقنا انفرط عقدنا وتهاوت علينا عساكر الباطل علما أن الحق جل في علاه حذرنا من ذلك: “وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” أي جاءهم من الوحي ما يجمعهم، فلما تركوه اختلفوا، لذا تجد أن أقل الطوائف اختلافا أهل الحديث، لأن ميراثهم من النبوة أعظم من ميراث غيرهم” الدرر الغوالي للسمعاني.
اللهم ارزقنا توحيدا تجبر به كسرنا وتجمع به شملنا، آمين والحمد الله رب العالمين.