الجرأة على سلطة الإفتاء الأستاذ عادل بن المحجوب رفوش

..قد يكون لازما الحفاظ على “مسؤولية الإفتاء” من أن يتبناها من ليس أهلا لها -علما وتقى- من المتعالمين الصغار حدثاء المعرفة وناقصي الأهلية والتكوين، ممن قد يظنون دخول المسجد ونشوة الطاعة والإيمان.. كافية لحصول الإمامة في الدين..

غير أننا نوقن أيضا بأنه أشد لزوما من ذلك التحذير وإعلان النكير في وجه الصحافة المتهافتة التي ما فتئت أقلامها، تسخر من كل ما يسمى إفتاء حتى ولو كان من مؤسسته الرسمية.
وأجتزئ من الأمثلة الكثيرة ما نشرته “جريدة الصباحية” بتاريخ: الجمعة (21/11/2008) (22/11/1429 هـ).
واجهة الصفحة الرئيسية وبالخط العريض “المني المحترم حلال” و”سيكسي” حرام، وسمتها “فتاوى في قضايا غريبة” ولست أدري أين وجه الغرابة؟!
هل في توجه الوزارتين بالسؤال حول ما يهمهما معرفة الحكم الشرعي فيه؟
فهذا مدعاة للفخر والاعتزاز أن يصير في وزاراتنا ومسؤولينا من يهمهم أمر دينهم، ويشعرون بالحرج في قفو ما ليس لهم به علم أو الاجتراء على فعل قد يكون منكرا عند الله تعالى، ثم يعممونه في الأمة ابتلاء لها وتهميشا لدور العلماء في الإصلاح والتوجيه..
ونتمنى أن ينتشر هذا الخلق النبيل ويتوسع مداه ومجالاته..
أم أن الغرابة تكمن في نوعية السؤال؟!
وهذا أيضا يدل على أن الصحفي لا يجوز له أن يتجاوز حدود النقل في غير تخصصه وأن يتجنب الوصف بما يفهم الحكم بالمدح أو الذم فيما لا خبرة له فيه، وخصوصا في أمور الشريعة التي الحكم فيها توقيع عن رب العالمين جل وعلا، ولو نظر هذا الكاتب إلى كتب الفقهاء في “غرائب المسائل” والتي يقصدون بها غرابة الندرة في الوقوع كالغريب عن وطنه، لا غرابة التشنيع التي تمارس في الصحافة قصد الازدراء بالعلماء بالتصريح والتلميح..
أم أن الغرابة تكمن في جواب العلماء نفسه؟
وهنا أتعجب من طيش بعض الصحافة حيث إنهم لا يكادون يثبتون على مطلب واضح تجاه العلماء.
فكلام العلماء في الحيض والنفاس سطحية.. وكلامهم في الوعظ والإرشاد أصولية.. وكلامهم في نوازل الأمة تطاول..
وكلامهم في نوادر المسائل الشائكة غرائب غربان.. وسكوتهم عجز عن الصدع بالحق والرضى بالبلاط..
أيتها الصحافة! إن المطلوب من العلماء القيام في الأمة مقام الأنبياء الذين ورثوهم علمهم بالتوعية والإصلاح.. والهداية والإرشاد في كل أمور الدنيا والدين والآخرة.. لقوله تعالى: “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ”. [آل عمران/187].
وأن يعظموا مقام الإفتاء الذي وصف الله نفسه به في قوله: “وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ”. [النساء/127].
وأن يبينوا الضروري من الدين في أركانه الخمسة حتى تبقى الهوية الإسلامية سجية في المجتمع.. وأن يواكبوا مع ذلك مستجدات العصر حتى لا يصنفوا خارج التاريخ.. وأن يتولوا الاجتهاد في نوادر النوازل التي تشكل على الناس في اقتصادهم وصحتهم وغير ذلك…
وأن يكونوا أعوانا للسلطة والمسؤولين على إحقاق الحق وإزهاق الباطل، مستبصرين غير مداهنين وجاهرين غير آبهين بشغب المشاغبين وأقلام المتهافتين.. وأن يبقى العلماء كما كانوا في تاريخ العظماء تستغني الأمة بهم ولا تستغني عنهم، مؤثرين فيها لا متأثرين بأهوائها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *