مراكش ما تزال بخير لطيفة الصادق

من منا نحن المراكشيين لا يذكر ملاعب صباه؟ من منا لا يذكر تلك الدروب الطويلة الضيقة، وتلك الدور الواسعة التي كانت شبابيك غرفها في أفنيتها؟ لم يكن بها شبابيك تطل على الجيران ولا شُرف يطلعون منها على عوراتهم، مع ما صاحب ذلك من الكرم والجود وآداب الجوار وإفشاء السلام, من منا ينسى الأمن والأمان الذي كانت تنعم به المدينة..؟

لقد التزم المرابطون عند تأسيس المدينة بمبادئ العمارة الإسلامية، فتجد السور تتخلله أبواب كل باب منها تنساب معه سويقة طويلة مليئة بالدكاكين، وكأنها شريان الحياة لمجموعة من الدروب التي تتفرع عنه، أبواب هذه الدروب كانت مقومة مما يبين أنها كانت توصد عند الخطر, وقبل هذه الأبواب تجد كتّابا ومسجدا, بمعنى أنه حتى في حالة الخطر الشديد لا يجب أن يترك الناس صلاة الجماعة في مسجد دربهم ولا يجب أن يتوقف الصبيان عن حفظ القرآن في الكتَّاب.
نعم فبالأمس القريب جدا, كان السَّائر في السويقة لا يكاد يفارق سمعه صوت الأطفال في الكتاتيب من درب لآخر.
والآن وقد اختفت الكتاتيب، واختفى معها صوت الأطفال، وخرج سكان المدينة إلى الضواحي بعد أن باع معظمهم دورهم بأثمان خيالية للأجانب يتخذونها فنادق أو صالونات مختلطة يتعاطى روادها أنواع الرذائل..
كما امتد على مجال 30 كلم من المدينة مجموعة من المشاريع المخزية التي يديرها الأجانب, هذا التطور أو الانتكاس الميداني تزامن معه انتكاس إعلامي، حيث بدأت قناة سمعية خاصة بالمدينة تتبع كل رذيلة لتبثها على أمواجها وكل جريمة لتفضحها: مخدرات ودعارة وكراسي اعتراف مجانية، فيكفي أن ترفع كل امرأة خرقاء سماعة الهاتف لتحكي على الهواء فضائحها الجنسية أو بطولاتها دون أي تحفظ استنادا إلى المفهوم الحداثي لحرية التعبير وحرية الإبداع.
صحيح أن الناس يتناقلون الأحاديث عن بعض الجرائم ولكنها تبقى مجرد حكايات، والإعلان عنها لمجرد السبق الصحفي أو تكثير المواد الإعلامية أمر يؤدي إلى زعزعة الأمن الروحي للمواطنين وإشاعة الرعب والبلبلة بينهم! فما الهدف يا ترى من هذا الإعلام إن كان له هدف غير إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا -ولا يخفى ما فيه من التعزير- لدرجة أنك تسمع عبارات (لبلاد باتقول شي(، )الله يدينا فالضو(.
وأقول للمراكشيين: ما ظنكم بمدينة كانت تعج بالكتاتيب؟ أو ما ظنكم بأبناء اللوح والصمغ والصلصال؟
إن مراكش ما تزال بخير، دل على ذلك استطلاع الرأي الذي قام به المدعو “أديب” على القناة المذكورة “راديو بلوس” بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، عن حقوق الإنسان ليمنى بخيبة أمل كبيرة، فقد كانت جل أراء المستمعين في ترجيح المقاربة الإسلامية, وأن الإسلام جاء بحقوق الإنسان وأن ما تكلم فيه الوحي لا يجوز تغيره تحت أي مسمى..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *