وجهتي هذه المرة كانت موسم سيدي علي بن حمدوش، الذي يقام بالجماعة القروية بعمالة الغماصين مكناس (الوسط الشمالي بالمغرب) على بعد 20 كلم من المدينة.
وقبل أن أشق طريقي راودتني جملة من التساؤلات عن نوعية الطقوس الخرافية والشركية التي تمارس فيه، وكعادتي في مثل هذه التحقيقات، أحاول أن أختزل ولو صورة مصغرة في ذهني عن الموضوع الذي أود البحث عنه قبل أن أذهب إلى عين المكان، من أجل ذلك ولجت عالم الانترنيت، لعلي أجد مفتاح الخيط الذي يدلني على بغيتي، وما إن كتبت اسم الضريح حتى علمت أن موسمه صار مناسبة لاجتماع الشواذ في غمرة الخرافة والتعلق بغير الله.
استقيت السيارة بمعية صديق لي صباح يوم الخميس 12 مارس 2009م، فتوجهنا نحو المدينة الإسماعيلية، وعند وصولنا استفسرنا أحد أبناء المدينة عن ضالتنا، ونظرا لشهرة الضريح لم نجد صعوبة كبيرة في التعرف على الطريق المؤدية إليه، فكل من سألناه عن الوجهة التي نريد، يرشدنا إلى الهدف الذي نبحث عنه بدون أدنى مشقة.
محاولة اختراق الشواذ جنسيا لموسم علي بن حمدوش رغم الإجراءات الأمنية المكثفة
عندما تقترب من الموسم، تواجهك مجموعات من رجال الأمن، حيث نصب رجال الدرك حوالي ستة حواجز أمنية على طول الطريق المؤدية إلى ضريح سيدي علي بن حمدوش، للحيلولة دون تسلل الشواذ إلى موسم هذا الولي، لسابق علم أجهزة الأمن أنه أصبح ملتقى هذه الشريحة المريضة أخلاقيا.
وفي الحاجز السادس، يتم توقيف جميع السيارات والحافلات للتأكد من هوية الزوار، والتمعن في وجوههم. وهذا الإجراء لم نسلم منه نحن بدورنا، فبعدما طلب منا أحد رجال الدرك الملكي أوراق السيارة، سرعان ما تراجع عن ذلك، بعد إطلالة داخل السيارة كانت كافية للتأمل في ملامحنا.
وصلنا إلى عين المكان حوالي الساعة 11 صباحا، وركنّا السيارة في موقف السيارات، وقد أثار انتباهي أطفال في سن التمدرس يتجولون في الطرقات، علمت فيما بعد أنها المدرسة الابتدائية الوحيدة بجماعة الغماصين القروية التي يقام الموسم على ترابها، لم تجد إدارة الدرك غيرها لإقامة مكتب لها يتابع تطور الوضع الأمني بالموسم، وفيها نصبت خياما لإقامة رجال الدرك ومعهم رجال القوات المساعدة.
وبالرغم من هذه الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، فقد تقاطر عدد من الشواذ إلى الموسم، ووصل عدد المعتقلين على خلفية شبهة الشذوذ إلى حدود 30 شخصا، تم الاحتفاظ بهم رهن الاعتقال، في انتظار إنجاز محاضر لهم وتقديمهم إلى النيابة العامة بتهمة الشذوذ الجنسي والإخلال بالآداب العامة.
مشاهداتي في ضريح سيدي علي بن حمدوش.
أول منظر يثير انتباه الزائر تواجد قطعان هنا وهناك من الماعز والنعاج الهرمة التي تثير الشفقة والرحمة، من شدة هزالها وضعفها، حتى يخيل إليك أن هذه الأغنام توشك على الاحتضار والموت، وبجانب الماعز والنعاج توجد أقفاص الدجاج والديكة يغلب عليها اللون الأسود والأحمر، وغلب على ظني أنها ستذبح لغير الله كما علمتني تجربتي في الأضرحة التي زرتها، وعندما استفسرنا أحد الزائرين من أبناء المنطقة عن الغرض من بيع هذه الحيوانات، أجابنا على التو بأنها تقدم قرابين للالة عيشة مولة المرجة، وسيأتي الحديث عنها في الحلقة الموالية.
لكي تصل إلى ضريح سيدي علي بن حمدوش، لا بد أن تجتاز في طريقك، جملة من الدكاكين التي خصصت لبيع كل أصناف الأعشاب والشموع والحناء وماء الزهر وجلود بعض الزواحف (القنفذ، الثعلب، الضربان، الحرباء..)، كما تنتشر بالسويقة المؤدية للضريح أعداد كبيرة من الباعة المتجولين بعضهم يعرض كما يسمونه “باروك” سيدي علي بن حمدوش وهو عبارة عن أشياء بسيطة جدا (عقيق أو مفاتيح..).
وعند اقترابك من مدخل الضريح تصادف طابورا من المتسولين يجلسون جنبا إلى جنب ينتظرون مساعدات الزوار، وبعيدا عن الضريح الذي يتكون من بهو كبير.. زينت جدرانه بآيات قرآنية تنسف الفكر القبوري وتفضحه وهو أمر يدعو للتعجب والاستغراب.
عدد غفير من النساء من مختلف الأعمار ومن جميع جهات المملكة (الناضور، العيون، أكادير، فاس، مكناس) يتحلقن حول الضريح للتبرك بكرامات وبركات الولي الصالح من أجل “قضاء الحاجة” وتلبية الطلبات مقابل قربان يقدم في شكل هدية للولي، تختلف هذه الهدية باختلاف الفوارق الطبقية حيث يكتفي الضعفاء بقرطاس الشمع.
وبين الفينة والأخرى تسمع دعاء مقدم الضريح عبد الله ورفيقه عبد الحي مع كل زائر من زوار ضريح سيدي علي بن حمدوش، بعدما يقدم لهما شيئا من المال مقابل ذلك.
رأيت شابا في مقتبل العمر أخذ يطوف بالضريح في الوقت الذي كانت والدته تحمل في يدها قارورة من ماء الزهر وترش بها قبر الضريح، وعندما سألناه عن السر في ذلك قال: “أنا اسمي رشيد عمري 45 سنة من نواحي مدينة سيدي قاسم، تنطلب من الله تعالى باش ينفعنا ببركة سيدي علي بن حمدوش، عندما أكون في شمال المغرب حيث أعمل هنالك في إحدى الشركات، ويحين موعد الموسم، يقف علي في المنام ويقول لي أنا سيدي علي بن حمدوش خصك تجي لعندي باش نشافيك من مرض الصرع، وفعلا ألبي النداء في أسرع وقت ممكن”.
وهذه حكاية واحد من زوار الموسم الذين يعيشون رهائن الدجل والشعوذة والخوف من الجن والخرافات، ولا يتمسك بشرع الله الذي حذر من كل صور الشرك صغيره وكبيره، قال الله سبحانه وتعالى: “وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً” الجن، أي لما تخلف التعلق بالله عز وجل استعظم الخوف من المخلوقات في قلوب الذين أشركوا..
وحكايات زوار سيدي علي بن حمدوش كثيرة لا تنتهي، منها أن سيدة أتت إلى الضريح، وشرعت في البكاء في حالة هستيرية، بعدما استلمت الأركان الأربعة للضريح، ورفعت يدها بدعاء المقبور في ذل وخضوع وانكسار..
هذا الخضوع ربما تخلف عند كثير من الناس خصوصا من يؤمنون بالخرافات ويقومون بمثل هذه الشركيات وهم يقفون في الصلاة بين يدي الله عز وجل القائل سبحانه: “فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” آل عمران..
عدد من الزوار، يقولون أنهم لا يعتقدون الفكر القبوري في قرارة أنفسهم، وإنما الدافع من وراء زيارة هذا الفضاء الخرافي الشركي مجرد حب الفضول ليس إلا، امرأة من الناضور 37 سنة تؤكد قائلة: “جئت لأول مرة هنا، وهدفي من هذه الزيارة هو رؤية الناس التي تمارس طقوس غريبة أنا في الأصل غير مقتنعة بها”.
وحسب تصريح لأربعة شبان يقطنون في مدينة مكناس، من بينهم تلاميذ لا يزالون يتابعون دراستهم الثانوية، فإنهم يحرصون على زيارة موسم سيدي علي بن حمدوش كل سنة بحثا عن التسلية والترويح.
حقائق تاريخية عن سيدي علي بن حمدوش
تذكر المصادر التاريخية أن الولي الصالح علي بن حمدوش سليل الشرفاء لمغاريين، هو علي بن محمد المدعو حمدوش بن عمران الشريف العلمي العروسي، أحد كبار مشايخ أهل الجذب بالمغرب، أخذ عن الولي الصالح محمد الملقب بالحفيان، عن والده الولي الشهير محمد فتحا المدعو بأبي عبيد الشرقي دفين أبي الجعد.
وتوجد زاويته ومدفنه ببني راشد بين جبال زرهون على بعد عشرين كيلومتر من مدينة مكناس، عاش في القرن السابع عشر من الميلاد وبالضبط في عهد السلطان مولاي إسماعيل.
له تلامذة كثيرون من أشهرهم محمد بن يوسف الحمدوشي، وأحمد الدغوغي الذي بني على قبره ضريح يبعد عن ضريح سيدي علي بن حمدوش بحوالي خمسة إلى ستة كيلومترات، وأبو علي الحسن بن مبارك، وسيدي قاسم أوقار، وغيرهم، وتوفي بجبل زرهون عام 1135هـ.
السلطان المولى سليمان يصدر مرسوما يبطل فيه المواسم ويمنع من إقامتها
ومما يحسن إيراده في هذا المقام، ما أكده السلطان المولى سليمان لما أصدر ذلك المرسوم التاريخي الذي يقول فيه: “ولهذا نرثي لغفلتكم أو عدم إحساسكم، ونغار من استيلاء الشيطان بالبدع على أنواعكم وأجناسكم، فألقوا لأمر الله آذانكم، وأيقظوا من نوم الغفلة أجفانكم، وطهروا من دنس البدع إيمانكم، وأخلصوا لله إسراركم وإعلانكم.
واعلموا أن الله بمحض فضله أوضح لكم طرق السنة لتسلكوها، وصرح بذم اللهو والشهوات لتملكوها، وكلفكم لينظر عملكم، فاسمعوا قوله في ذلك وأطيعوه، واعرفوا فضله عليكم وعوه، واتركوا عنكم بدع المواسم التي أنتم بها متلبسون، والبدع التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون، وافترقوا أوازعا، وانتزعوا الأديان انتزاعا، بما هو صراح كتابا وسنة وإجماعا، وتسموا فقراء، وأحدثوا في دين الله ما استوجبوا سقرا، (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً”.
وكل ذلك بدعة شنيعة وفعلة فضيعة، وشيمة وضيعة، وسنة مخالفة لأحكام الشريعة، وتلبس وضلال، وتدليس شيطاني وخبال، زينه الشيطان لأوليائه فوقتوا له أوقاتا، وأنفقوا في سبيل الطاغوت في ذلك دراهم وأقواتا، وتصدى له أهل البدع من (عيساوة وجلالة) وغيرهم من ذوي البدع والضلالة، والحماقة والجهالة، وصاروا يرتقبون للهوهم الساعات، وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات.
وكل ذلك حرام ممنوع، الإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع..”.
وصل اللهم على محمد وآله وصحبه وسلم.
يتبع في الحلقة القادمة