لما عجز العلمانيون عن الإطاحة بالنظام الملكي من خلال المشاركة في الانقلابات والتنسيق مع الغرب من أجل الحصول على السلاح لزعزعة أمن البلاد قصد الاستحواذ على السلطة، -وأعجزهم ذلك- لجؤوا إلى المداهنة عاملين وفق إستراتيجية النحت البطيء والإفراغ من الداخل وذلك من خلال امتطاء متن الملكية والظهور بمظهر المدافع عن خيارات أمير المؤمنين سدده الله تعالى، حتى يتمكنوا من تصفية حساباتهم مع خصوم مشروعهم العلماني المدعوم بالمال الأوربي الأمريكي، والمحمي بالضغوط الأجنبية التي تمارسها الدول الغربية من أجل أن يتبنى المغرب المشروع العلماني في الحكم ويتخلى عما تبقى من مقومات هويته ودينه.
وسيرا على هاته الإستراتيجية شن الكاتب العلماني الحاقد سعيد لكحل على جريدة السبيل هجوما تسلح فيه بالكذب تارة والنفاق أخرى، متهما إياها بـ:
1- التكفير.
2- محاولة تطويق النظام الملكي والخروج على ولاة الأمر.
3- زعزعة الاستقرار عبر زرع بذور الطائفية في المجتمع المغرب.
4- الشذوذ عن قيم المجتمع وتقاليده وقواعد السلوك والذوق السليم.
5- الحرب على التصوف والزوايا.
6- الرياء الوطني والمذهبي.
وغيرها من التهم في مقالين نشرهما بجريدته العلمانية المفضلة الأحداث عددي 3694/01 أبريل 2009 و3700/ 08 أبريل 2009.
والذي يقرأ مقالات لكحل يكاد يجزم أنه ملكي أكثر من الملك نفسه، وذلك لكثرة ما يدافع عن إمارة المؤمنين لكن ضد الإسلاميين فقط، محاولا بكل وسيلة مشروعة أو ممنوعة أن يظهر جميع من يتبنون الإسلام شرعة ومنهاجا، وينافحون كي تعطى له حقوقه في تنظيم حياتهم العامة، أعداء للمؤسسة الملكية وللنظام، وخوارج عن الوطن ومذهب البلاد، وذلك في محاولة مكشوفة للحيلولة دون بناء الثقة بين الإسلاميين وإمارة المؤمنين خوفا من أن تشرع الأبواب لتطبيق النموذج الإسلامي في الحكم، والمناقض للنموذج العلماني الذي يقصي أحكام الشريعة من أي تأطير أو تنظيم للحياة العامة للمواطنين.
ونظرا لضيق المجال سأقتصر على مناقشته في تهمتين فقط.
تهمة محاولة تطويق النظام الملكي والخروج على ولاة الأمر
معلوم موقف الجريدة من ولاة الأمر، حيث تم التنصيص غير ما مرة على وجوب طاعتهم في المعروف وبالمعروف في المنشط والمكره، والذي يتماهى مع موقف السلفيين، امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا مشهور معلوم، إلا أن الحقد العلماني المتجذر في الكاتب لكحل حال دون تحليه بالإنصاف.
وبكل صفاقة وجه يتهم جريدة السبيل بالخروج في الوقت الذي يدافع هو عن العلمانية ويجعلها الخيار الوحيد للعرب قائلا: “لا خيار أمام العرب غير تبني العلمانية والديمقراطية والحداثة”. كما يجعلها من مستتبعات الديمقراطية إذ لا يُتصور -في نظره- نظام علماني إلا إذا أقر بسيادة الأمة وسلطتها في اختيار الحاكم أو عزله، حيث صرح في جريدة الأحداث: “أكيد أن الديمقراطية تستتبعها العلمانية إذ لا يمكن تصور نظام ديمقراطي إلا إذا أقر بسيادة الأمة وسلطتها في اختيار الحاكم أو عزله”، وقال في العدد نفسه: “في النظم الديمقراطية يتم الفصل بين الله والحاكم”. الأحداث عدد 2282 / 28 أبريل 2005
يظهر جليا مما سبق أن تباكي هذا الكاتب الأجير على المَلكية وعلى ما أسماه: “المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي يقوده الملك”، هو من قبيل النفاق الذي يتوسل به إلى خداع من يُظهر المدافعة عنه، وإلا كيف يدافع عن النظام الملكي وهو لا يتوانى في الدفاع عن العلمانية، التي لا وجود فيها لمفهوم إمارة المؤمنين، ويدعم بقلمه وعقيرته مفهوما خاصا لديمقراطية تتمكن فيها الغوغاء من عزل السلطان.
وليسمح لنا الكاتب سعيد لكحل أن نسأله:
لماذا يتوارى خلف الدفاع عن الملكية ما دام يتبنى علمانية لا تعترف بأي نوع من إمارة المؤمنين؟ إذِ العلمانية لا تميز بين المؤمنين والكفار.
ولماذا ينافح عن ديمقراطية لا تعترف بالملكية وإن اعترفتْ بالمَلكِ فلِكَي يسود ولا يحكم؟
لماذا لا يناضل بكل شجاعة ونزاهة عن أفكاره؟
ولماذا يفضل النفاق على النضال؟
واضح من خلال إستراتيجية جبناء العلمانيين أنهم يفضلون مداهنة إمارة المؤمنين لأن فيها السلامة من متاعب النضال، وتفسح لهم مجالا أوسع لاستنبات مقومات العلمانية ومعتقداتها في أذهان أبناء المغاربة، والتي إذا لم تواجهها الدولة فلن يبق في المغرب إسلام ولا إمارة للمؤمنين ولا مذهب مالكي.
فمتى تمكن أمثال لكحل من السلطة فأول إجراء يقومون به هو عزل أمير المؤمنين من الملك، وانتخاب من يشاءون من علمانييهم سواء كان مسلما أو كافرا وهذا ما يوضحه كلام لكحل في معرض الرد على الإسلاميين في عدد 2282 / 28 أبريل 2005 حيث قال: “ويأتي رفضهم للديمقراطية كذلك متى فتحت أبواب المنافسة الانتخابية على منصب الحاكم أمام غير المسلمين، فالحركات الإسلامية لن تقبل أن يكون كتابيا حاكما في الدولة التي ينشدونها، إذن لن يسمح الإسلاميون للنساء أو لغير المسلمين بالترشح لمنصب الحاكم /ولي الأمر”.
من خلال ما سبق يتبين أن سعيد لكحل ومَن على شاكلته يحاولون تطويق إمارة المؤمنين وتوجيه مشاريع التحديث وجعلها خادمة لمشروعهم العلماني المدمر لمقومات الهوية وأصول الدين الإسلامي، وإلا متى كانت إمارة المؤمنين عَلمانية في المغرب؟ أم هو الكذب والنفاق؟
أما بخصوص:
تهمة الحرب على التصوف والزوايا
فرغم أن الكاتب من أنصار المقولة الماوية ” النقد خبزنا اليومي” إلا أنه مرة أخرى يدفعه حقده العلماني إلى الاصطفاف إلى جانب المقلدين والظلاميين والرجعيين كما يصفهم، ويستنكر علينا أن ننبه إلى ما يعتري نشاطات بعض الطرق الصوفية من مخالفات شرعية مثل الاستغاثة بغير الله والذبح لغير الله والنذر لغير الله واعتقاد العصمة في الشيوخ.
كما أن إنكاره هذا يدفعني إلى مساءلته: “بصفتك داعية إلى الحداثة والتنوير والعقلانية، ومناضلا ضد الظلامية والرجعية هل تجيز ما ذكرت من مخالفات شرعية؟
هل تسمح لك عقلانيتك وحداثتك أن أدعو الناس إلى طلب الشفاء من أصحاب القبور وأن يتركوا مراكز الطب والمستشفيات؟
أكيد أن الحداثة والتنوير والعقلانية كلها تحارب ذلك، ليس لأنها تعتقد أنه مخالف للإسلام، بل لأنها لا تؤمن بما وراء الطبيعة ولا تصدق بالمعتقدات الدينية كيف ما كانت سماوية أم وثنية.
فلماذا إذن يدافع الكاتب لكحل ومن معه من العلمانيين عن التصوف؟
إن استراتيجية العلمانيين في تبيئة المجتمع واستنبات المبادئ العلمانية العقلانية المادية فيه طويلة الأمد وتستدعي دعم الخرافة حتى تهيمن على عقول المواطنين كي يأتي المتنورون العلمانيون ليؤلبوهم بعد عقود من الزمن على إمارة المؤمنين التي يقدمونها إلى الأجيال الناشئة على أنها نظام متخلف رجعي يدعم الخرافة ويحارب العلم، حتى يكون لدعوتهم إلى نبذ ما تبقى من أحكام الشريعة قيد التطبيق حجة تنطلي على عقول الناس.
هذا بالإضافة إلى طبيعة أتباع الزوايا الصوفية الذين يغلب عليهم غض الطرف عن مخططات العلمانية وعدم اشتغالهم بتوعية الناس بأخطارها وضرورة مواجهتها، أضف إلى ذلك عدم منافستهم على المناصب والمقاعد البرلمانية مما يجعل من الصوفية بمختلف طرقها شريكا غير مزعج، والتمكين لها خيار استراتيجي ووسيلة من وسائل التصدي للتيارات الإسلامية المنافسة سواء في مجال السياسة أو الاجتماع أو التوعية الإيمانية التي تحول دون نسيان الأصل والرسالة.
إن هذا الكاتب وأمثاله تروج لهم المنابر الإعلامية العلمانية على أنهم باحثون في الجماعات الإسلامية أو في التاريخ والتراث لكنهم في الحقيقة مكلفون بمهمة توسيع الهوة بين إمارة المؤمنين والتيارات الإسلامية على مختلف توجهاتها.
ولعلمهم أن إمارة المؤمنين من حيث هي مفهوم ديني للحكم تتفق في الكثير من مستتبعات وجودها مع نظام الحكم الذي يصبو إليه الإسلاميون، تولى هذا النوع من الكتاب مهمة الوقيعة بينهما من جهة، ومهمة تبيئة المجتمع من خلال كل وسائل الإعلام، والندوات والمحاضرات، مستغلين ما توفره الإدارات العمومية التي يهيمنون عليها وعلى ميزانياتها، وكذا الأحزاب والجمعيات المنخرطين فيها، مستغلين الضغوط الدولية التي تمارسها الدول الغربية على كل الدول الإسلامية حتى تتبنى العلمانية نظاما للحكم، ليسهل على أتباعها ووكلائها الوصول إلى قمته، فتضمن استمرار تبعيتها لها وتحقق الحماية الدائمة لمصالحها في بلداننا.