حماية الحرية الفردية أو عندما نكسو المخالفات الشرعية ثوب القداسة

إن كل تصرف أو فعل شخصي أو جماعي يدخل في دائرة ما نهى عنه الله سبحانه لا يمكن أن يعتبر حرية شخصية، وبالتالي وجب إنكاره. فليس في الإسلام حرية شخصية أو اختيار شخصي يخالف ما أمر به الله سبحانه ويناقض شرعه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه حدود الحرية الشخصية، حدودا تضمن للإنسان أن يلبي كل حاجاته من أكل وشرب وتمتع بملذات الحياة دون اعتداء على نفسه أو غيره.
فمن منطلق أن الإنسان عبد لله ومربوب له سبحانه، وجب عليه أن يمتثل ما أمر الله به وأن يمارس حريته الشخصية داخل حدود عبوديته لربه سبحانه.

من يراقب التطور الحاصل على سلوكيات المغاربة يتضح له بشكل لا يترك فرصة للجدال أن القيم والأخلاق صارت على المستوى العملي غير محمية بموجب القانون، وأن تطور مجتمعنا المسلم -وأكرر المسلم- نحو التحلل من الدين والقيم هو تطور مفتعل يلعب فيه التمكين للمفاهيم العلمانية الغربية، ضدا على إرادة غالبية المغاربة، أهم العوامل.

إن الترخيص لمحلات ترويج الخمور، وغض الطرف عن بيعها لأبناء المسلمين، والسماح بإنتاج الأفلام الداعية إلى نبذ الأخلاق والمحاربة لقيم المغاربة الإسلامية، هو افتعال ودفع للتطور العلماني على مستوى الممارسة وإن لم تصاحبه نهضة ثقافية علمانية.
فأوربا لم تتحلل من القيم الدينية إلا بعدما ألف فلاسفتها وكتابها الآلاف من الكتب والآلاف من المقالات وغيروا القوانين وسفكوا الدماء وطالب “المتنورون” بظلام فلسفات اليونان من الثوار العلمانيين أن يشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس، في إشارة إلى تغيير نمط الحكم ومنظومة القيم، وتطلب حصول التغيير ستة قرون حتى يقبل المواطنون الأوربيون بحقوق اللواطيين ويقبلوا بالزنا ويقتنعوا أو يُخضَعوا لمفاهيم مثل الأمهات العازبات والمثلية والجندر والمساواة بين الجنسين والتمييز الإيجابي وغيرها مما تفتقت عنه عقول العلمانيين وأوحت به إليهم شهواتهم.
أما في المغرب فلم يتطلب الأمر سوى ستة عقود دون أن يُمسَّ ملكٌ أو عالم، حتى هدمت كل ممانعة لدى الدولة وصارت أهم المفاهيم العلمانية سائدة في مجتمعنا المسلم، وأصبح كل ما كان يدعو إليه المحتل العلماني مسموحا به، فالربا والقمار والبغاء وترويج الخمور والفرنسة والاختلاط والعري وتعطيل الشريعة والتفريق بين العرب والبربر والفصل بين الدين والسياسة وغيرها، كلها مشاريع بدأها المحتل وحرص على أن يتمها بعده مغاربة يستكملون مشروعه في فصل المغاربة عن دينهم.
إننا عندما نتهاون في محاربة البغاء ونتواطأ على الترويج للخمور ونغض الطرف عن العري والزنا والإجهاض، وعندما نسمح لمن يدعو إلى الفسوق والعصيان بدعوى فصل الدين عن السياسة، نكون بذلك نفلسف المعاصي ونضفي عليها هالة الاحترام.
إننا عندما ندعو إلى احترام الحرية دون ضوابط شرعية حتى لا يقول عنا الغرب العلماني إننا ننتهك حقوق الإنسان، ولسنا دولة ديمقراطية، إننا عندما نفعل ذلك نكسو المخالفات الشرعية بل الموبقات والكبائر ثوب القداسة.
لقد بات من اللازم على كل مثقف أو سياسي يحب دينه، أن يشارك في التصدي للمفاهيم العلمانية المشرعنة للفساد الأخلاقي والانحراف العقدي، خصوصا مع إصرار العلمانيين على حماية الحريات الفردية المناقضة للدين واستقوائهم بالغرب ومنظماته، كما يتوجب على العلماء بوصفهم حماة الملة والدين، أن يتحلوا بالشجاعة الكافية حتى لا تبقى مؤسساتهم معزولة عن التأطير الفعلي للمجتمع المغربي، وذلك بالمشاركة الفعلية في الأوراش الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والجمعوية ليوضحوا تعاليم الإسلام في ما تشتغل عليه من مشاريع غالبا ما يكون لتنفيذها على أرض الواقع آثار سلبية وخيمة على التدين لدى المغاربة.
وفي نظري أن أول ما يجب أن يحارب هو الانحرافات العقدية، ومنها هذا التسيب الذي حصل على مستوى الحريات، إذ لا يحل لمؤمن أن يعترض على أوامر الله وشرعه بدعوى أن ما يقوم به حرية شخصية لأن الله سبحانه قد أوجب على الإنسان أن يلتزم شرعه وما قضى به في كل ما يختاره من أمور دنياه، حيث قال سبحانه:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً” الأحزاب.
وهل هناك أضل ممن يُسوّي بين الكافر والمسلم، واللوطي وسليم الفطرة، ويقبل بزواج الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى، ويرى أن الزنا مثل الزواج والربا مثل البيع؟
إن كل تصرف أو فعل شخصي أو جماعي يدخل في دائرة ما نهى عنه الله سبحانه لا يمكن أن يعتبر حرية شخصية، وبالتالي وجب إنكاره. فليس في الإسلام حرية شخصية أو اختيار شخصي يخالف ما أمر به الله سبحانه ويناقض شرعه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم الذي بين فيه حدود الحرية الشخصية، حدودا تضمن للإنسان أن يلبي كل حاجاته من أكل وشرب وتمتع بملذات الحياة دون اعتداء على نفسه أو غيره.
فمن منطلق أن الإنسان عبد لله ومربوب له سبحانه، وجب عليه أن يمتثل ما أمر الله به وأن يمارس حريته الشخصية داخل حدود عبوديته لربه سبحانه.

لقد دأب العلماء المغاربة يستنكرون الأفكار العلمانية منذ بداية انتشارها في أوربا، ولما تدخل إلى ربوع بلدنا المسلم بعد، حيث انتقد مفهوم الحرية الشخصية العلامة أحمد الناصري في كتابه الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (3/113-115) قال رحمه الله تعالى: “..واعلم أن هذه الحرية التي أحدثها الفرنج في هذه السنين هي من وضع الزنادقة قطعا لأنها تستلزم إسقاط حقوق الله وحقوق الوالدين وحقوق الإنسانية رأسا.
أما إسقاطها لحقوق الله: فإن الله تعالى أوجب على تارك الصلاة والصوم وعلى شارب الخمر وعلى الزاني طائعا حدودا معلومة، والحرية تقتضي إسقاط ذلك كما لا يخفى.
وأما إسقاطها لحقوق الوالدين: فلأنهم -خذلهم الله- يقولون إن الولد الحدث إذا وصل إلى حد البلوغ والبنت البكر إذا بلغت سن العشرين مثلا يفعلان بأنفسهما ما شاءا ولا كلام للوالدين فضلا عن الأقارب فضلا عن الحاكم. ونحن نعلم أن الأب يسخطه ما يرى من ولده أو بنته من الأمور التي تهتك المروءة وتزري بالعرض سيما إذا كان من ذوي البيوتات، فارتكاب ذلك على عينه مع منعه من الكلام فيه موجب للعقوق ومسقط لحقه من البرور.
وأما إسقاطها لحقوق الإنسانية: فإن الله تعالى لما خلق الإنسان كرمه وشرفه بالعقل الذي يعقله عن الوقوع في الرذائل ويبعثه على الاتصاف بالفضائل، وبذلك تميز عما عداه من الحيوان.
وضابط الحرية عندهم لا يوجب مراعاة هذه الأمور بل يبيح للإنسان أن يتعاطى ما ينفر عنه الطبع وتأباه الغريزة الإنسانية من التظاهر بالفحش والزنا وغير ذلك إن شاء، لأنه مالك أمر نفسه فلا يلزم أن يتقيد بقيد.
ولا فرق بينه وبين البهيمة المرسلة إلا في شيء واحد هو إعطاء الحق لإنسان آخر مثله، فلا يجوز له أن يظلمه! وما عدا ذلك فلا سبيل لأحد على إلزامه إياه، وهذا واضح البطلان لأن الله تعالى حكيم وما ميز الإنسان بالعقل إلا ليحمله هذه التكاليف الشرعية من معرفة خالقه وبارئه والخضوع له لتكون له بها المنزلة عند الله في العقبى {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الأحزاب.
واعلم أن الحرية الشرعية هي التي ذكرها الله في كتابه وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وحررها الفقهاء رضي الله عنهم في باب الحجر من كتبهم فراجع ذلك وتفهمه ترشد وبالله التوفيق” اهـ.
وللفائدة فقد ولد المؤرخ الناصري سنة 1835م -أي بعد 46 سنة مرت على الثورة الفرنسية على الدين والأخلاق-، ومات رحمه الله سنة 1897م، أي قبل دخول المحتل العلماني بخمسة عشر سنة.
إن علماءنا الأجلاء لم يكونوا رجعيين ولا متخلفين بل كانوا متابعين لكل ما يجري حولهم لكن أبى الله إلا أن يهين من هان عليه شرعه ودينه، فلما استشرت فينا البدع واتبعنا الشهوات سلط الله علينا ذلا لا يرفعه عنا حتى نعود إلى ديننا، تصديقا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا تبايعتم بالعينة*، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم”.
فكل من كان يؤمن بالله ربا وخالقا، ويوقن بأنه إليه راجع عليه أن يقف بتفكر وتدبر مع هذا الحديث الشريف، ..تفكر وتدبر يعقبهما على الفور بامتثال ما أمره الله به واجتناب ما نهى عنه لعل الله ينزع عنا هذا الذل الذي طال أمده.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.

ـــــــــــــــــــــ
(*) وبيع العينة هو أن يبيع شيئاً من غيره بثمن مؤجل، ويسلمه إلى المشتري، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر.
فهلا أوبة إلى مصدر العز والسيادة والفوز في الدنيا والآخرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *