أسبَابُ تَقبّل شعُوب الأمَّةِ الإسْلاميَّة لوافدات المذاهب الفكرية المعاصرة* يتبع

السبب الثالث:
تسرب شوائب وتشويهات إلى مفاهيم كثير من المسلمين، وهي المفاهيم التي تحددت بها تصوراتهم للإسلام، مع أنها تصورات خاطئات، مخالفات لدين الله للناس.
وهذه المفاهيم الخاطئات يمكن جمعها في صور خمس، بسطتها في كتاب “صراع مع الملاحدة” وأوجزها هنا بما يلي:
الصورة الأولى: هي الصورة المختلطة المهزوزة في مفاهيم بعض المسلمين لحقيقة التعاليم الإسلامية، وتكون هذه الصورة باختلاط الحقائق، وعدم إدراك كلٍّ منها في مكانه الصحيح.
والتشويه في هذه الصورة ناتج عن تداخل عناصرها، وتمازج بعضها في بعض، وعدم تمايز حدود كل عنصر منها، فلا تمتاز مثلاً الكبائر عن الصغائر، ولا المحرمات عن المكروهات، ولا الفرائض الكبرى عن الواجبات الصغرى، ولا الواجبات عن المندوبات، ولا تظهر فيها الحدود الفاصلة بين ما يجب فعله أو تركه، وبين ما يقضي الورع بفعله أو تركه، ثمّ بين ذلك وبين ما هو مباح.
وسبب وجود هذه الصورة المهزوزة المختلطة، الجهل بالتعاليم الإسلامية الصحيحة، وقلة أجهزة التثقيف الإسلامي العام في مختلف بلاد المسلمين.
الصورة الثانية: هي الصورة التي دخل فيها أخطاء لدى رسم المفاهيم الإسلامية الصحيحة.
وترجع هذه الأخطاء إلى الأصول العامة التالية:
1- الخطأ في الاجتهاد، وله أسباب كثيرة يعرفها علماء أصول الفقه الإسلامي. وقد يعذر في هذا الخطأ المجتهد الكفؤ ومقلّده.
2- الخطأ في تقويم ما توصل إليه الاجتهاد، وذلك باعتباره هو الحق لا غير، رغم أن اليقين القاطع لم يتوافر فيه، وهذا الخطأ لا عذر فيه مطلقاً.
3- التعصب للرأي أو للمذهب ضد الآراء أو المذاهب الأخرى، وهذا التعصب لا عذر فيه مطلقاً.
الصورة الثالثة: هي الصورة المزورة المشوَّهة من قِبَلِ أعداء الإسلام، والتي أساء عرضها وقبح جمالها وإشراقها الماكرون المفسدون، بما وجهوا لها من شبهات وتُهَم كاذبات.
وغرض أعداء الإسلام من تصيد الشبهات والتشويهات والأكاذيب والتضليلات، وإلصاقهم بالتعاليم الإسلامية، إفساد عقول أبناء المسلمين، وفتنتهم عن دينهم.
الصورة الرابعة: هي الصورة التي حصل فيها تغيير في النسب بين مفردات وأجزاء التعاليم الإسلامية، إذ أخذ بعضها من المساحة الكلية، في أفكار ونفوس طائفة من المسلمين، أكثر من نصيبه المقدر له في أصل التشريع الإسلامي. نظير التغيير الذي يحدثه المتلاعب في الخريطة، فيعطي القرية الصغيرة مساحة كبيرة في الخريطة، ويعطي المدينة الكبيرة مساحة صغيرة جداً.
وبهذا التغيير في مفردات وأجزاء التعاليم الإسلامية، نلاحظ اهتمام بعض المسلمين بالسيما الظاهرة للمسلم، وإهماله الأسس الجوهرية التي قام عليها الإسلام عقيدة وعملاً، أو يصغر من حجمها ويعطيها أقل اهتمامه.
ومن أسباب التغيير في النسب داخل هذه الصورة، فقدان الإدراك السليم الكامل الشامل للمفاهيم الإسلامية بوجه عام، ولمقادير كلٍ منها، ولكيفية ترابطها وتناسقها في الصورة الإسلامية العامة.
إن فقدان الإدراك السليم الكامل الشامل للمفاهيم الإسلامية يتولد عنه نتائج خطيرة، منها ما يلي:
1- فساد النسب لأجزاء الصورة الإسلامية العظيمة.
2- الخلل في وحدة النظام الكلي للمفاهيم الإسلامية التي يكمل بعضها بعضاً.
3- تشتت شمل وحدة المسلمين، نظراً إلى أن لكل فريق منهم صورة إسلامية خاصة به، تختلف نسب أجزائها عن صور سائر الفرقاء، الأمر الذي يؤدي إلى تعصب كل فريق منهم للصورة التي يرى الإسلام من خلالها.
4- توجيه كل طاقات العمل دفعة واحدة، لتحقيق ما احتل معظم الساحة في الصورة ذات المناسب الفاسدة.
ومما يزيد في المشكلة أن يكون ما احتل معظم المساحة داخلاً في حدود الأشكال والرسوم، لا في حدود الجواهر الاعتقادية والخلقية والعملية والقيم الحقيقية الذاتية.
الصورة الخامسة: هي الصورة المزورة للتعاليم الإسلامية تزويراً كلياً أو جزئياً.
وأمثال هذه الصورة المزورة نجدها عند الفرق المنحرفة الضالة، التي عمل على إنشاء جيوبها أعداء للإسلام، فتظاهروا بالانتساب إليه نفاقاً، ليعملوا على هدمه من الداخل.
يتبع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* من كتاب “كواشف زيوف في المذاهب الفكرية المعاصرة” للشيخ الدكتور عبد الرّحمن حسن حَبَنّكة الميداني (ج1/ص: 67-68-69-70).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *