تطهير الأذهان من افتراءات مدير جريدة الأسبوع الصحفي على الخليفة الراشد عثمان بن عفان -الحلقة الأولى- أبو عبد الرحمن ذو الفقار

مبادئ بديهية في منهجية تحرير مباحث موضوعية

عن حفص بن عاصم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع}(1)، هذا الحديث صريح في الحث على التريث عند نقل الأخبار، والاستيثاق من مصادرها قبل نشرها وإذاعتها، وذلك بالتعرف أهي صدق مطابقة لواقع الحال فتنقل، أم هي كذب غير مطابقة للحقيقة فتجتنب. وهذا يشمل المسموع وكذا المقروء بشكل عام، فرب شائعة عابرة تكون مدمرة.
أما في ميدان العلم فإن صاحب المنهج القويم يرجع في كل علم إلى رجاله، ولا يكفيه عند بحث مسألة أو قضية، مجرد النقل بشكل آلي من غير الاعتماد على كتب التخصص؛ فلا ينقل مثلا فقها من كتاب أدب، ولا يبحث مسألة حديثية أو تاريخية دون الاعتناء بالنظر في سند الأخبار وفحص أحوال الرواة ودراسة متن الأحداث.
فإن المنهج العلمي يأبى على أهل الإنصاف أخذ المنقولات على علاّتها دون تحقيق أو تدقيق، لا سيما إذا تعلق الأمر بتشويه حقبة من تاريخ هذه الأمة، أو ذكر خيار سلفها بمطعن. فإنه كما هو معلوم أن أصحاب التصانيف -مثلا- في فن التاريخ اهتموا -رحمهم الله- بذكر كل ما بلغهم، وساقوا جميع الأحداث بسندها كما وصلتهم، إبراء لذمتهم، بغض النظر عما يعتقدون صحته وما لا يعتقدون صحته. ومن ثم فمِمَّا لا ينبغي التغافل عنه، هو أنه لا عبرة بقول القائل، أن في هذه المصنفات روى زيد أو قال فلان أو نقل علاّن، دون معرفة صحته. وهذا يُنصح به الباحث عند تعامله مع مثل كتب الأئمة الأخيار الذين التزموا منهج إسناد الروايات إلى أصحابها؛ ككتاب الإمام الطبري “تاريخ الأمم والملوك”، وكتاب “تاريخ دمشق” لابن عساكر، وكتاب “الكامل في التاريخ” لابن الأثير، و”البداية والنهاية” لابن كثير، و”تاريخ الإسلام” للذهبي، و”تاريخ الخلفاء” للسيوطي..، أما الاعتماد على ما دون هذه الكتب من حيث القيمة العلمية في هذا الفن؛ ككتب الأدب مثلا و كتب الأخبار فهو ليس من المنهج العلمي في شيء، فضلا عن كونها لا تصلح للاعتبار أو تقرير حدث تاريخي.
الخلل المنهجي الذي طبع مقال الصحفي مصطفى العلوي
اعتمد مصطفى العلوي مدير جريدة الأسبوع الصحفي في ما نقله من أخبار تخص الصحابي الجليل عثمان بن عفان رضي الله عنه ضمن مقال له تحت عنوان “البيزنيس.. قتل خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم”(2) على كتاب “الفتنة الكبرى” لصاحبه طه حسين. مما جعل مقاله ملغوما بافتراءات فاضحة وأكاذيب فادحة لا تنطلي إلا على جاهل بحياة ومسيرة الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، كما روتها لنا كتب الأئمة الأعلام. وحسبنا أن نعلم أن طه حسين الأديب تلميذ كبار المستشرقين في زمانه(3)، ومتأثر بشكل كبير بمبدأ الشك الديكارتي، وهو عميد التغريب داخل العالم الإسلامي، وقد كان من أهم رواد مروجي فكرة أن الدين ظاهرة اجتماعية وأنه من صنع الإنسان ويتطور بتطوره، كما أنه تزعم معارضة تنصيص الدستور المصري على أن الدين الرسمي لدولة مصر هو الإسلام، فضلا عن تصريحه في كتابه الشعر الجاهلي الذي طرد بسببه من الجامعة بعدم اعتباره القرآن الكريم مصدرا تاريخيا موثوقا به. فهو الذي قال وبئس ما قال: “للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل. وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضا. و لكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلا عن إثبات هذه القضية التي تحدثنا بهجرة إسماعيل بن إبراهيم إلى مكة، ونشأة العرب المستعربين فيها. ونحن مضطرون إلى أن نرى في هذه القصة نوعا من الحيلة في إثبات الصلة بين اليهود والعرب من جهة وبين الإسلام واليهود والقرآن والتوراة من جهة أخرى” (4) (5).
أو يصح بعد هذا الكلام النتن الصادر من طه حسين الشاك المشكك في مصداقية الأحداث الواردة في القرآن، أن يتخذه المسلم العادي فضلا عن صحفي بل مدير مسؤول ورئيس تحرير صحيفة موضع ثقة في نقل أخبار أسلاف المسلمين؟
بل هل هناك من علماء المسلمين من يعتبر كتاب “الفتنة الكبرى” مصدرا معتبرا في معرفة تاريخ الإسلام، ومرجعا في الاستدلال التاريخي؟!
فعلى أي أساس صدّق مصطفى العلوي طه حسين ونقل عنه وجعل كلامه موضع استنتاج؟!
أعلى أساس الدراسة والممارسة؟ لا أظن هذا.
وعلى أي فإن ما أقدم عليه مصطفى العلوي من اعتماد ساذج على كتاب طه حسين دون أن يكلف نفسه عناء الرجوع إلى المصادر المعتبرة التي لها علاقة بتاريخ الأمة الإسلامية وسيرة خلفائها وتراجم أعلامها؛ يكشف عن مدى جهله ببديهيات مناهج البحث الموضوعي، فوق سوء أدبه مع أحد خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. الشيء الذي يسيء إلى سمعة جريدته عند قرائها من حيث مصداقية تحري الأخبار فيها، فإن من نقل كذبا عن أحد خيار المسلمين وأئمتهم، فإنه لا غرابة ولا أمان في أن ينقل كذبا عمن دونه. كما يمنع وصف مقاله بأنه مقال موضوعي جدير بالاحترام، فهو بكل أسف مقال يفقد كل مقومات المقالات الموضوعية. وهذا يبدو جليا في أظهر ما يعاب عليه منهجيا، وهو أنه عندما ينقل لنا من أخبار عثمان بن عفان رضي الله عنه من كتاب “الفتنة الكبرى”، لا ينقل لنا من أين استقى طه حسين نفسه كلامه هذا. كما أنه لا يحيل القارئ على المراجع المتخصصة التي استقى منها مادة مقاله المسموم، و بنى عليها استنتاجاته التي يكذبها التاريخ، ولا يقبلها من يعرف عثمان رضي الله عنه. وذلك كاستنتاجه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه -حسب زعمه- باتفاق المؤرخين جميعا هو أول من ابتدع الرأسمالية!!
نعم هكذا قال: (واتفق المؤرخون جميعا.. أن الخليفة عثمان، هو أول من ابتدع الرأسمالية).
لا أدري أي اتفاق هذا؟ و أي المؤرخين يقصد؟ وعن أي رأسمالية يتكلم؟!
سوف نرجئ البحث في هذه القضية إلى مقال قادم –إن شاء الله– مع تتبع مصطفى العلوي في تجنيه على الخليفة الراشد عثمان بن عفان بما أورده في مقاله مقتفيا أثر افتراءات وأكاذيب طه حسين، و حسبه خذلانا بعدما اتخذ طه حسين إماما!!!. ولقد صدق الناظم في قوله:
إذا كان الغراب دليل قوم هداهم إلى أرض الجيف

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)- رواه مسلم في صحيحه
(2)- جريدة الأسبوع الصحفي العدد 557/994 الجمعة 14 رمضان 1430/الموافق ل 4 شتنبر 2009.
(3)- كان من أبرزهم إيميل دوركايم اليهودي الحاقد على الإسلام.
(4)- الشعر الجاهلي لطه حسين ص 26.
(5)- ليس موضوعي هنا انتقاد طه حسين فحسبي الإشارة، و من كانت له الرغبة في الزيادة فليرجع إلى الكتب التي تناولته بالنقد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *