الغرب والحلول الإسلامية المعاملات الإسلامية هي الحل للخروج من الأزمة المالية العالمية إعداد إبراهيم الوزاني

يصر العلمانيون ويتبجحون بباطلهم، بأن لا دخل للدين في تنظيم الحياة، بله أن تكون التشريعات الدينية هي العاصمة عندهم من الأزمات المالية الخانقة، لإيمانهم بأن تطور الحياة يقبل حلولا جديدة، ونظريات حديثة من صنع البشر، تكون بديلة على تلك التي انهارت وأظهرت ضعفها وعجزها بعد أن قضت نحبها..
فبعد الأزمة العالمية التي أطاحت بالنظام الرأسمالي العالمي، وأظهرت أن الربا التي يقوم عليها ركن العملية في التبادل التجاري والتمويل المالي، هي تعامل غير صحي في العملية الاقتصادية، وبما أن التشريع الإسلامي يعتبر الربا من أكبر المحرمات ويمنعها في التعاملات والتمويلات، فقد أبدت بعض الدول الغربية استحسانا للتشريع الإسلامي المالي، ليعترف الغرب بقصد أو بغير قصد أن التشريع الإسلامي هو رباني المصدر، شمولي وعالمي، ومصلح لكل زمان ومكان..
وقد دعا العديد من أساتذة الاقتصاد في العالم إلى تبني التشريع المصرفي الإسلامي، كما أعربت بعض الدول عن قبولها لتبني ذلك، ومن هذه الدول، دولة فرنسا التي تعتبر أم العلمانية في العالم، فقد نظمت الحكومة الفرنسية ندوة كبيرة لتحديد تقييم إمكانية دمج الصيرفة الإسلامية في المنظومة المالية في فرنسا، ألقى خلالها الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس الهيئة الشرعية للمجلس الفرنسي للمالية الإسلامية، محاضرة تحت عنوان “الرقابة الشرعية ودمج التمويل الإسلامي”، أوصى فيها: المجتمع الغربي بشكل عام والفرنسيين خصوصا بالاطلاع على التجربة المالية الإسلامية بما تتضمنه من آليات رقابية وتنفيذية تجمع بين الضبط والمرونة في آن واحد.
يذكر أن مجلس الشيوخ الفرنسي كان قد دعا من جانبه إلى ضم النظام المصرفي الإسلامي للنظام المصرفي في فرنسا، وجاء في التقرير الذي أعدته اللجنة المختصة بالشئون المالية في المجلس: أن النظام المصرفي الذي يعتمد على قواعد مستمدة من الشريعة الإسلامية مريح للجميع سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين!!
وفي استجابة واضحة لهذا التوجه العام أصدرت الهيئة الفرنسية العليا للرقابة المالية قرارا بمنع تداول الصفقات الوهمية والبيوع الرمزية التي يسمح بها النظام الرأسمالي المعمول به، واشترطت الهيئة أن يكون التقابض في أجل محدد بـ3 أيام لا أكثر من إبرام العقد، وذلك وفقا لأحكام الفقه الإسلامي!!.
كما أصدرت الهيئة قرارا يسمح للمؤسسات والمتعاملين في الأسواق المالية بالتعامل مع نظام الصكوك الإسلامية في السوق المنظمة الفرنسية، والصكوك الإسلامية هي: عبارة عن سندات إسلامية مرتبطة بأصول ضامنة بطرق متنوعة تتلاءم مع مقتضيات الشريعة الإسلامية!!
وتعد فرنسا متأخرة جدا في مجال احتضان هذا النظام مقارنة مع الدول الأوروبية حيث كانت بريطانيا الرائدة في القبول به على أراضيها وقد أصدرت نصوصا تشريعية وضريبية من شأنها أن تشجع النظام الإسلامي المالي وفتح بها أول مصرف إسلامي عام 2004. وفي ألمانيا اتخذت إجراءات من أجل السماح بنظام تداول الصكوك ونظام التكافل.
كما أن وزيرة الاقتصاد الفرنسية كشفت عزم الحكومة على الترخيص للمصارف الإسلامية كي تعمل في بلادها قريبا، وذلك رغم رفض المجلس الدستوري مادتين من قانون سنه البرلمان الفرنسي يسمح للبنوك الإسلامية بمزاولة نشاطها في القطاع المصرفي المحلي.
وأكدت الوزيرة ذلك بقولها: أتمنى أن تتمكن الصيرفة الإسلامية من العمل في فرنسا كما هي الآن في بريطانيا وبلدان أخرى، حيث لا يوجد سبب لغلق الفضاء المالي الفرنسي أمام هذا النوع من التمويل علينا تطوير ترساناتنا الجبائية والقانونية لتتلاءم مع الصيرفة الإسلامية” اهـ.
وأكد الشيخ بن بيه أن هناك معايير وموجهات كبرى للصيرفة الإسلامية والرقابة الشرعية، منها:
1- ألا تحتوى الأنشطة الأساسية للشركة على الربا -بمعنى الفوائد الناشئة عن ودائع أو عن إقراض نقود يؤدي إلى أن تلد هذه النقود نقوداً دون توسيط سلع أو مواد أخرى-، فيحترز بهذا المعيار من كل ما يجري في المؤسسات المالية التقليدية من أنشطة ربوية كالمصارف التجارية، والشركات المالية.
2- ألا تتعامل الشركة بالقمار في أنشطتها التجارية الأساسية.
3- أن تكون الأنشطة الرئيسية للشركة لا علاقة لها بالأمور التالية:
إنتاج الخمور والمخدرات وتسويقها.
توزيع الأطعمة المحرمة شرعاً كالخنزير أو تلك المضرة بالصحة.
تقديم خدمات غير مشروعة، مثل إنشاء أو إدارة الأماكن غير الأخلاقية.
4- ألا تحتوي الأنشطة التجارية الأساسية للشركة على الغرر الفاحش مثل عقود التأمينات غير التعاونية، وبيع الديون النقدية، ونقل ملكية سلع غير مملوكة للمتعامل لا يمكن تسليمها.
ويذكر أن فرنسا أحدثت في جامعاتها شعبة لتدريس الاقتصاد الإسلامي من أجل تكوين كوادر، قصد الاستفادة من النظام المصرفي الإسلامي. ففي إحدى الجامعات الفرنسية في مدينة “ستراسبورج” يتم تدريس شهادة في “الاقتصاد الإسلامي” وهي الأولى في تاريخ فرنسا في هذا الاختصاص منذ أن بدأت السلطات السياسية والاقتصادية الفرنسية الاهتمام بجلب الاستثمارات الإسلامية وخاصة الخليجية إلى فرنسا.
وبحسب المكتب الإعلامي لجامعة “الإدارة” في ستراسبورج، تمتد سنوات الدراسة على خمس سنوات وتتضمن 405 ساعات طيلة عام كامل في سبل التعامل في الاقتصاد الإسلامي من عقود واقتراض، وفيما يعرف بنظام الإجارة والصكوك وغيرها استنادا إلى تجارب البنوك والمؤسسات المالية الإسلامية والمستنبطة من تعاليم القرآن والسنة النبوية.
وتمكن هذه الشهادة في الاقتصاد الإسلامي حامليها من الاندماج في النظام البنكي الفرنسي وخاصة بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها وزيرة الاقتصاد الفرنسية “كريستين لاغارد” بإدماج بعض بنود التعامل بالاقتصاد الإسلامي في النظام البنكي الفرنسي؛ بغية جلب الاستثمارات الإسلامية وخاصة الخليجية.
ويأتي إقرار هذه الشهادة الجامعية الأولى في تاريخ فرنسا في الوقت الذي أصدر مجلس الشيوخ الفرنسي (الغرفة الثانية من البرلمان) الأسبوع الماضي مذكرة من 60 صفحة يبرز فيها أهمية اتساع دائرة التعامل بالاقتصاد الإسلامي في العالم، مطالبا في الوقت ذاته بضرورة اتخاذ إجراءات عملية من أجل إيجاد تسهيلات لإقحام النظام المصرفي الإسلامي في النظام البنكي الفرنسي.
جدير بالذكر أن محاضرة بن بيه جاءت متماشية مع بعض التوجهات التي سادت في وسائل الإعلام الغربية نحو الاستعانة بالتشريع الإسلامي للخروج من الأزمة المالية الخانقة، وهو التوجه الذي بدأ لدى بعض مع تفاقم هذه الأزمة.
ففي افتتاحية مجلة “تشالينجز”، كتب “بوفيس فانسون” رئيس تحريرها موضوعا بعنوان: “البابا أو القرآن” هاجم فيه الكنيسة الكاثوليكية واتهمها بالتساهل في تبرير الفائدة/الربا، مؤكدا على أن هذا السلوك الاقتصادي السيء أودى بالبشرية إلى حافة الهاوية.
ووجه “فانسون” رسالة إلى البابا “بنديكيت السادس عشر” قائلاً: “أظن أننا بحاجة أكثر في هذه الأزمة إلى قراءة القرآن بدلا من الإنجيل، لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن من تعاليم وأحكام وطبقوها ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا الوضع المزري، لأن النقود لا تلد النقود”.
نذكر هنا المفارقة العجيبة بين سلوك علمانيي فرنسا البراغماتيين وبين تهافت عقلانية علمانيي المغرب الذين لم يفلتوا فرصة إلا واستهزؤوا بالإسلام والبنوك الإسلامية منكرين أن يكون في الإسلام نظام يتماشى مع ما وصلت إليه البشرية من تطور علمي.
فمتى يدرك العلمانيون، وحتى الفرنسيون منهم أن المصلحة المتوخاة من الاستعانة بالمصرفية الإسلامية في الجانب الاقتصادي، مبناها على قواعد ربانية تستلزم كذلك تبني التشريع الإسلامي في لباس المرأة، وهو الذي يخص جانبا مهما له علاقة بالأخلاق والسلوك، وحفظ المجتمع من البهيمية؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *