– إنتاج الخمور بالمغرب يصل إلى 35 مليون لتر سنويا دون احتساب الخمور المهربة أو المصنوعة بطريقة تقليدية.
إذا علمنا أن إنتاج الخمور بالمغرب يصل إلى 35 مليون لتر سنويا دون احتساب الخمور المهربة أو المصنوعة بطريقة تقليدية، وأن الأسواق والمتاجر الكبرى في المغرب التي تسوق لهذا المنتج الخبيث تمثل نسبة مبيعاتها الكحولية ما بين 30 و40% من رقم معملاتها السنوية، وإذا علمنا أن نقاط البيع المرخص لها رسميا يبلغ عددها 414 نقطة بيع دون احتساب السوق السوداء وهي أكثر من هذا العدد بكثير، وإذا علمنا أيضا أن الشريحة العمرية المستهلكة لهذا الكم الهائل من الخمور تتراوح ما بين 18 و60 سنة، سهل علينا آنذاك أن نفهم السبب وراء استفحال ظواهر كثيرة شاذة في مجتمعنا لم يكن لها ذكر من قبل، وسهل علينا أن ندرك السبب وراء الارتفاع المهول لنسب حوادث السير، والسطو، والاغتصاب، وزنا المحارم، والقتل..
فالخمر كما يكلف الأفراد خسارة أنفسهم ودينهم وشخصيتهم يكلف خزينة الدولة غاليا، يكلفها أمنيا واقتصاديا وصحيا واجتماعيا..
فوفقا لما سبق أن صرح به وزير الداخلية السابق شكيب بنموسى في البرلمان فنسبة القضايا المرتبطة بالسكر العلني بلغت 16% من مجموع الحالات الإجرامية والجنحية المسجلة في الوسط الحضري خلال الأشهر العشرة الأولى من سنة 2007، ووفقا لدراسة قامت بها لجنة حوادث السير همت 1259 سائقا، فقد احتل الخمر والمخدرات المرتبة الثانية في أسباب وقوع حوادث الطرق التي وقعت بمدن المغرب.
كما سجلت نسب أرقام الجريمة والانحراف في المغرب ارتفاعا بنسبة 2,84 خلال الأشهر الثمانية الأولى من السنة الماضية، بالمقارنة مع نفس الفترة من السنة قبلها.
وأكد التقرير الذي تقدمت به وزارة الداخلية أمام لجنة الداخلية واللامركزية والبنيات الأساسية أن الجهات الأمنية قدمت ما يقارب 217,599 شخصا إلى العدالة، وذلك في إطار الاستراتيجية الآنية والمستقبلية المعتمدة من قبل الإدارة العامة للأمن الوطني، والتي ترمي أساسا إلى ضبط الظواهر الإجرامية ووضع الخطط الأمنية المناسبة للوقاية من تبعاتها والحد من خطورتها، ثم تعبئة الموارد البشرية اللازمة ورصد التنوع والإمكانيات المادية الكفيلة بالتصدي للجريمة والانحراف.
والخمر مسبب أيضا لكثير من الأمراض العضوية، أبرزها السرطان (كسرطان الكبد والحنجرة)، فحسب الدراسة التي أنجزتها جمعية للا سلمة لمحاربة السرطان فإن المغرب يسجل سنويا ما بين 35.000 و50.000 مصاب جديد بهذا المرض العضال.
وأكدت المعطيات الرسمية لوزارة الصحة أن مكافحة داء السرطان بمختلف أنواعه يمثل إحدى الأمراض الخطيرة التي ترهق كاهل الدولة وميزانيتها، وتتجلى هذه الخطورة في كون عدد الحالات التي تسجل سنويا تقدر بما بين 30 ألفا و54 ألف حالة جديدة، ومما يزيد الأمور أكثر تعقيدا أن الدولة تتكفل بـ10 آلاف منهم فقط، بالنظر إلى إمكانياتها الضعيفة في هذا المجال.
هذا كله ناهيك عما تسببه أم الخبائث من خسائر بشرية ومادية في حوادث السير، فحسب الدراسة الميدانية التي أنجزتها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير فإن الخمر تعد أحد الأسباب الرئيسية لوقوع حوادث السير، إلى جانب أسباب أخرى ترتبط بهذا السبب في بعض الأحيان.
فرغم الانعكاسات السلبية الكثيرة التي يفرزها استهلاك الخمر على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة أيضا لا يستحيي بعض الإعلاميين من المطالبة برفع العقوبات على إشهار الخمور بحجة أن ذلك يدخل في نطاق الحرية الفردية، وأن المجتمع اليوم بات يتعايش مع شاربي الخمور، وأن نسبة كبيرة منهم لا تجد غضاضة من احتساء هذا المشروب الذي ينسيهم هموم الدنيا ومتاعبها..
طبعا، هذا المشروب الخبيث ينسيهم همومهم لسويعات معدودة لأنه يؤثر على عقولهم، لكن حين يصحون من ثملهم ويعودون إلى وعيهم يجدون حجم المشاكل قد تضاعف، والأموال قد ضيعت، إن لم تكن الجرائم أيضا قد اقترفت.
فهذا المنطق المعكوس، والفهم المنكوس الذي يروج له بعض المدمنين المبتلين يحاول للأسف الشديد رويبضة الإعلام تصويبه والدعوة له، إننا لا ندري أين تكون عقول هؤلاء الكتاب وهم يكتبون مثل هذه الهرطقات التي تخالف المعلوم من الدين بالضرورة، وتخالف الفطرة والعقل، بل تخالف حتى ما وصل إليه عقلاء الغرب، هل يكونون في كامل وعيهم وهم يسودون مقالاتهم، أم أن مداخيل إشهار الخمور التي تستفيد منها منابرهم خمر عقولهم!
إن الفساد والدمار وإهدار المال العام الذي يحدثه الخمر اليوم، مرجعه إلى التساهل والتسماح الكبير من الدولة مع مروجي الخمور، فنحن نشاهد مسؤولينا -مع الأسف الشديد- يقفون مكتوفي الأيدي أمام التطبيع الكبير مع الخمور، والإشهار العلني لمنتجاتها، فكيف نفسر حفل تذوق الخمر الذي نظمه المجلس الجهوي للسياحة بمكناس بـ”هْرِي المنصور” بالشراكة مع السفارة الفرنسية؟
وكيف نفسر ما أقدمت عليه شركة “براسري المغرب” بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس في نسخته الرابعة، من عرضها على طول مساحة 64 متر مربع إشهارا للخمور بالجناح الفرنسي؟
وكيف نفسر حجم الإعلانات والملصقات التي يتم عرضها في الشارع العام؟
وكيف نفسر إعلانات وإشهارات المتاجر والأسواق الكبرى التي تقتحم على المغاربة بيوتهم؟
فإذا كانت السلطات الأمنية قد تدخلت بحزم لتفريق المئات من المواطنين الذين احتشدوا صبيحة الأحد 20 دجنبر 2009، أمام متجر ”لابيل في” بالمحمدية احتجاجا على بيعها للخمور، فلا مناص أمامها من تطبيق القانون الذي يجرم إشهار الخمور وبيعها للمسلمين، وإيقاف سياسة تقريب الخمور من المواطنين، وخاصة بالأحياء الشعبية، لتخرج من هذا التناقض الصارخ الذي لا يجد له المغاربة مسوغا أو تفسيرا، اللهم إلا إرضاء مثخمي الجيوب على حساب دين وحياة وأمن ومصلحة الفئة الشعبية المستضعفة.