الغنيمة الباردة
قال: ابن دريد قال أخبرنا الحسن بن خضر عن أبيه قال: قال سفيان: دخل إلي جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فقال: يا سفيان أعلمت أني فكرت في المعروف فرأيت أنه لا يتم إلا بثلاث فقلت: ما هّن بأبي أنت وأمي؟ قال: تعجيله، وستره، وتصغيره، فإنك إذا عجلته هنأته، وإذا سترته أتممته، وإذا صغرته عظمته، وإذا أنت مطلته وسوفته وكدرته نقصته وأفسدته، ثم أنشأ يقول متمثلا:
يرّب معروفه ويحفظه وإنما العرف بالربابات
فقلت: هذه والله الغنيمة الباردة من غير تكلف ارتحال، ولا مشقة تسيار.
كلمات بليغات
الحسد ماحق للحسنات، والزهو جالب لمقت الله ومقت الصالحين، والعجب صادف عن طلب العلم داع إلى التخمط في الجهل -تَخَمَّطَ البَحْرُ: إذا التَطَمَ-، والبخل أسوأ الأدواء، وأجلبها لسوء الأحدوثة، والهزء فكاهة وصناعة الجهلاء، والعقوق يدعو إلى القلة، ويورث الذلة.
قال الحارث بن أسد المحاسبي: الظالم نادم وإن مدحه الناس، والظلوم سالم وإن ذمه الناس، والقانع غني وإن جاع، والحريص فقير وإن ملك.
ما على عرج من حرج
أسير خلف ركاب النجب ذا عرج *** مؤملاً كشـف ما لاقيت من عـوج
فإن لحقت بهـم من بـعد ما سبـقوا *** فكم لرب الورى في ذاك من فرج
وإن بقيت بظهر الأرض منقطعاً *** فـما على عرج في ذاك من حرج
قال يحيى بن معاذ الرازي: لا يعجبك حلم امرئ حتى يغضب، ولا أمانته حتى يطمع، فإنك لا تدري على أي شقيه يقع.
قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالا؟ قال: من قويت شهوته، وبعدت همته، واتسعت معرفته، وضاقت مقدرته.
قال يحيى بن طالب:
إذا أنت لم تفكر لنفسك خاليا *** أحاط بك المكروه من حيث لا تدري
يا رب
يا رب إن عظمـت ذنـوبي كثـرة *** فـلقد علمــت بأن عفـوك أعـظم
إن كـان لا يرجــوك إلا محــسن *** فمن الذي يدعو ويرجو المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرّعـا *** فإذا رددت يدي فمـن ذا يرحــم
مـالي إليـك وسيـلــة إلا الـتـقـى *** وجـميل ظنـي ثـم إنـي مســلــم
درر وفوائد
جوامع الكلم
قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا وزاد بعضهم (بحذافيرها)” أخرجه الترمذي وحسنه الشيخ الألباني .
السَّرب: بالفتح الطريق، والسَّرب: الإبل أيضا، والسِّرب بالكسر: جماعة من النساء والظباء والبقر والطير، فإذا قيل: فلان آمن في سَربه بالفتح، معناه هو آمن في ماله وطريقه، وإذا قيل: هو آمن في سِربه بالكسر فمعناه آمن في نفسه ونسائه وحرمه.
قال صاحب كليلة ودمنة: مثل الحقد في القلب ما لم يجد محركاً مثل الجمر المكنون، وليس ينفك الحقد يتطلع إلى العلل كما تبتغي النار الحطب، فإذا وجد شيئاً استعر ثم لا يطفئه مال ولا كلام ولا تضرع ولا مناصفة ولا شيء غير تلف تلك الأنفس.
دواعي الحسد
قيل لبعضهم: ما بال فلان ينتقصك؟ قال: لأنه شقيقي في النسب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة؛ فذكر دواعي الحسد كلها.
التعنت في السؤال
قال أبو محمد يحيى بن المبارك اليزيدي: كان يجيئني رجل فيسألني عن آيات من كتاب الله مشكلات، وكنت أتبين العنت في سؤاله، وكنت إذا أجبته أرى لونه يَربَد ويسودُ، فقال لي يوما: أيجوز في كلام العرب أن نقول: “أدخلت القوم الدار ثم أخرجتهم رجلا”؟ فقلت: لا يجوز ذلك حتى تقول: أخرجتهم رجلا رجلا، تقوله في تفصيل الجنس. قال: فكيف قال الله تعالى (ثم يخرجكم طفلا). فقلت: ليس هذا من ذاك؛ لأن الطفل مصدر في الأصل فهو يقع على الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد فتقول: “هذا طفل، وهذان طفل، وهؤلاء طفل”، كما قال تعالى: (أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء)، فطفل في الآية موضع أطفال فكأنه قال ثم يخرجكم أطفالا.
قال ابن القيم
التأويل الذي يوجب تعطيل المعنى الذي هو في غاية العلوّ والشرف، ويحطه إلى معنى دونه بمراتب كثيرة، هو تأويل فاسد كتأويل قوله تعالى: “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ” الأنعام: 18، وقوله تعالى: “يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ” النحل: 50، بأنهم فوقية الشرف كقولهم: الدرهم فوق الفلس والدينار فوق الدرهم.