حكم ومواعظ

مُـنـاجــاة
مالي وقد فرّطتُ في أمـري سوى ربٍّ إلى نفحـاتـه أتعــرّضُ
ما كان من عذرٍ لتقصيري سوى نفسٍ تُقادُ إلى الجنان فتُعـرِضُ
مالي سواك إذ الخطوب تفاقمت أمري إليك على الدوامِ مُفَوَّضُ
يا خيرَ من أعطى وأكرمَ من عفا وإذا دعاه مذنبٌ لا يُعــرِضُ
عبـدٌ بضاعته الكلامُ، جهـادُه صحفٌ تُسطّرُ أو قريض يُقرض
يدعو الورى للصالحات وسِفْـره في صالح الأعمـال خِلْوٌ أبيض
ويُحبُّ درب الصالحين وإن أكن قصّرتُ فيما طوّلـوه وعرّضـوا
لكن له قلبٌ يُحبُّـك كـلُّـه وقلوبُ أهلِ الحـب لا تتبعّضُ
أنت الذي أكرمتني منذ الصـبا ورعيتني والخـير منك مُقيَّـضُ
وارزقني الإخلاص حتى لا أُرى إلا وكلّي في رضاك مُمَحَّـضُ
وأعيشُ يا ربي لدينك داعيـاً ما دام بي نَفَسٌ وعـرقٌ ينبِضُ
الدمع
قال ابن الجوزي: قطرة دمع على الخد أنفع من ألف مطرة على الأرض.
قال عبد الله بن عمرو: لأن أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار.
وقال كعب الأحبار: لأن أبكي من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلي من أن أتصدق بوزني ذهبا.
قال مالك بن دينار: البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما تحط الريح الورق اليابس.
قال يزيد الرقاشي: بلغني أن من بكى على ذنب من ذنوبه نسي حافظاه ذلك الذنب.
كتبت بأدمعي في صحن خدي كـــتابا بالـتذلل والخـضوع
فقــالوا قد عفـــونا عنـــك لما محوت قبيح فعلك بالدموع
قال يحيى بن معاذ: علامة التائب إسبال الدمعة وحب الخلوة، والمحاسبة تنفس عنه كل همة.
لتذرف دمعك المدرار حتى تعود الصحف بيضاء نقية
فإن سقوط دمع العين سحا دليل العفو من رب البرية
وصية
قال رجل لحاتم الأصم رحمه الله: أوصني بشيء أتصل به إلى باب الله سبحانه وتعالى، فقد عزمت على سفر الحج.
فقال: يا أخي، إن أردت أنيسا، فاجعل القرآن أنيسك، وإن أردت رفيقا، فاجعل الملائكة رفقاءك، وإن أردت حبيبا، فالله سبحانه يتولى قلوب أحبابه، وإن أردت الزاد، فاليقين بالله سبحانه وتعالى نعم الزاد، واجعل البيت قبلة وجهك، وطف بسرّك حوله.
درر وفوائد
من عقوبات المعاصي أنها تنسي العبد نفسه
من عقوبات المعاصي أنها تنسي العبد نفسه، فإذا نسي العبد نفسه أهملها وأفسدها وأهلكها.
فإن قيل: ما معنى نسيان العبد نفسه؟
قيل: نعم ينسى العبد نفسه أعظم نسيان، قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ) فلما نسو ربهم سبحانه نسيهم وأنساهم أنفسهم، كما قال تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) فعاقب الله سبحانه من نسيه عقوبتين: إحداهما: أنه سبحانه نسيه، والثانية: أنه أنساه نفسه.
فكيف يكون نسيان الله للعبد؟ وكيف يكون نسيانه لنفسه؟
نسيانه سبحانه للعبد: إهماله وتركه وتخليه عنه وإضاعته، فالهلاك أدنى إليه من اليد للفم.
وأما إنساؤه نفسه: فهو إنساؤه لحظوظها العالية، وأسباب سعادتها وفلاحها وإصلاحها وما يكملها، ينسيه ذلك جميعه.
وأيضاً ينسيه عيوب نفسه ونقصها وآفاتها، فلا يخطر بباله إزالتها وإصلاحها.
وأيضاً ينسيه أمراض نفسه وقلبه وآلامها.
فأي عقوبة أعظم من عقوبة من أهمل نفسه وضيعها، ونسي مصالحها وداءها ودواءها.
الجواب الكافي 160
الحكمة من أمر الله تعالى بالاستعاذة قبل القراءة
في ذلك وجوه:
منها: أن القرآن شفاء لما في الصدور يُذهب لما يلقيه الشيطان فيها من الوساوس والشهوات والإرادات الفاسدة، فهو دواء لما أثره فيها الشيطان، فأمر أن يطرد مادة الداء.
ومنها: أن الملائكة تدنو من قارئ القرآن وتستمع لقراءته، والشيطان ضد الملك وعدوه، فأمر القارئ أن يطلب من الله تعالى مباعدة عدوه عنه.
ومنها: أن الشيطان يُجلب على القارئ بخيله ورجْله حتى يشغله عن المقصود بالقرآن، وهو تدبره وتفهمه ومعرفة ما أراد به المتكلم به سبحانه، فيحرص على أن يحول بين قلبه وبين مقصود القرآن.
ومنها: أن الشيطان أحرص ما يكون على الإنسان عندما يهمّ بالخير أو يدخل فيه، فهو يشتد عليه حينئذ ليقطعه عنه، وكلما كان الفعل أنفع للعبد وأحب إلى الله تعالى كان اعتراض الشيطان له أكثر.
إغاثة اللهفان 1/108
لماذا انقسمت العبودية إلى خاصة وعامة
إنما انقسمت العبودية إلى خاصة وعامة، لأن أصل معنى اللفظة: الذل والخضوع، يقال (طريق معبّد) إذا كان مُذَللاً بوطء الأقدام، و( فلان عبّده الحب) إذا ذلّلَه، لكن أولياؤه خضعوا له وذلوا طوعاً واختياراً، وانقياداً لأمره ونهيه، وأعداؤه خضعوا له قهراً ورغماً.
مدارج السالكين 1/127

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *