حكم ومواعظ

قال زيد بن علي زين العابدين لابنه

يا بني، إن الله لم يرضك لي فأوصاك بي، ورضيني لك فحذرنيك: واعلم أن خيرالآباء للأبناء من لم تدعه المودة إلى التفريط، وخير الأبناء للآباء من لم يدعه التقصير إلى العقوق.
أوصى حكيم أبنه فقال
لا يغرنك بشاشة امرئ حتى تعلم ماوراءها، فإن دفائن الناس في صدورهم، وجزعهم في وجوههم. ولتكن شكايتك من الدهر إلى رب الدهر. واعلم أن الله إذا أراد بك خيرا أو شرا أمضاه فيك على ما أحب العباد أو كرهوا.
حكم نافعة
من جرى في ميدان أمله عثر في عنان أجله.
من لم يصبر على البلاء لم يرض بالقضاء.
فقد الصبر أعظم من حوائج الدهر.
إذا حزن الفؤاد ذهب الرقاد.
الجليس الصالح كالمسك النافح.
قالت الحكماء
أربعة من علامات الإيمان: حسن العفاف، والرضا بالكفاف، وحفظ اللسان، ومحبة الإخوان، وأربعة من علامات النفاق: قلة الديانة، وكثرة الخيانة، وغش الصديق، ونقض المواثيق.
المروءة
سئل الأحنف عن المروءة، فقال :التفقه في الدين، وبر الوالدين، والصبر على النوائب.
سؤال وإجابة
سئل حكيم عربي عن أعدل الناس، وأظلم الناس، وأكيس الناس، وأحمق الناس، وأسعد الناس، وأشقى الناس، فقال :أعدلهم من أنصف نفسه، وأظلمهم من ظلم غيره، وأكيسهم من أخذ أهبته للأمر قبل وقوعه، وأحمقهم من باع آخرته بدنياه، وأشقاهم من اجتمع عليه فقر الدنيا وعذاب الآخرة.
القلوب
قال السري السقطي: القلوب ثلاثة: قلب كالجبل لايزيله شيء، وقلب كالنخلة أصلها ثابت والريح تميل برأسها، وقلب كالريشة يميل مع الريح يمينا وشمالا.
قال حكيم
صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبا.
الصدق
عليك بالصدق، فما السيف القاطع في كف الرجل الشجاع بأعز من الصدق، والصدق عز وإن كان فيه ما تكره، والكذب ذل وإن كان فيه ما تحب، ومن عرف بالكذب اتهم في الصدق.
أَوْجَزُ كلام
قيل للحسن البصري: ما تقول في الدنيا؟ فقال: ما عسى أن أقول؟ حلالها حساب، وحرامها عذاب، فقيل: ما سمعنا كلاما أوجز من هذا؟ قال: بلى كلام عمر بن عبد العزيز، كتب إليه عدي ابن أرطأة وهو على حمص أن مدينة قد تهدمت واحتاجت إلى إصلاح حيطانها، فكتب إليه حصنها بالعدل ونق طرقها من الظلم.

تسلية وترويح
أيسر محفوظاته كتاب الأغاني
قال الوزير الأندلسي أبو بكر محمد ابن الوزير لأبي مروان عبد الملك ابن زهر:‏ ‏ بينما أنا قاعد في دهليز دارنا وعندي رجل ناسخ أمرته أن يكتب لي “كتاب الأغاني” لأبي الفرج الإصفهاني، إذ جاء الناسخ بالكراريس التي كتبها، فقلت له:‏ ‏ أين الأصل الذي كتبتَ منه لأُقابل معك به؟‏ ‏ قال: ما أتيت به معي.‏ ‏
فبينا أنا معه في ذلك إذ دخل الدهليز علينا رجل بذُّ الهيئة، عليه ثياب غليظة أكثرُها صوف، وعلى رأسه عمامة قد لاثها من غير إتقان لها، فحسبته لما رأيته من بعض أهل البادية، فسلـَّم وقعد، وقال لي:‏ ‏ يا بنيّ، استأذن لي على الوزير أبي مروان.‏ ‏
فقلت له: هو نائم، هذا بعد أن تكلـّفتُ جوابه غاية التكلـّف؛ حملني على ذلك نزوةُ الصبا، وما رأيتُ من خشونة هيئة الرجل.‏ ‏
ثم سكت عني ساعة وقال:‏ ما هذا الكتاب الذي بأيديكما؟‏ ‏ فقلت له: ما سؤالك عنه؟‏ ‏
فقال: أحب أن أعرف اسمه، فإني كنت أعرف أسماء الكتب!‏ ‏
فقلت: هو كتاب الأغاني، فقال: إلى أين بلغ الكاتب منه؟‏ ‏ قلت: بلغ موضع كذا، وجعلت أتحدث معه على طريق السخرية به.
فقال: وما لكاتبك لا يكتب؟‏ ‏ قلت: طلبتُ منه الأصل الذي يكتب منه لأُعارض به هذه الأوراق، فقال:‏ لم أجئ به معي.‏ ‏
قال: يا بنيّ، خُذ كراريسك وعارض،‏ قلت: بماذا؟ وأين الأصل؟‏ ‏قال: كنت أحفظ هذا الكتاب في مدة صباي، فتبسـَّمتُ من قوله، فلما رأى تبسـُّمي قال:‏‏ يا بنيّ، أمسك عليّ،‏ فأمسكت عليه، وجعل يقرأ، فواللّه إن أخطأ واوًا ولا فاءً، قرأ هكذا نحواً من كراستين، ثم أخذت له في وسط السـِّفر وآخره، فرأيت حفظه في ذلك كله سواء.‏ ‏ فاشتدَّ عجبي، وقمت مسرعاً حتى دخلت على أبي فأخبرته بالخبر، ووصفت له الرجل، فقام كما هو من فـَوْره، وكان ملتفـّا برداء ليس عليه قميص، وخرج حاسر الرأس، حافي القدمين، لا يرفـُقُ على نفسه، وأنا بين يديه، وهو يـُوسعني لومـاً، حتى ترامى على الرجل وعانقه، وجعل يقبـّل رأسه ويديه ويقول:‏ يا مولاي اعذرني، فواللّه ما أعلمني هذا الجـِلـْفُ إلا الساعة.‏ وجعل يسبـّني، والرجل يُخَفِّض عليه ويقول: ما عرفني. وأبي يقول: هـَبْه ما عرفك، فما عـُذره في حسن الأدب؟‏ ‏
ثم أدخله الدار وأكرم مجلسه، وخلا به فتحدّثا طويلاً. ثم خرج الرجل وأبي بين يديه حافياً حتى بلغ الباب. وأمر بدابته التي يركبها فأُسـْرِجتْ، وحلف عليه لَيَرْكـَبَنَّها ثم لا ترجع إليه أبداً،‏ فلما انفصل قلت لأبي:‏ من هذا الرجل الذي عظَّمته هذا التعظيم؟‏ ‏ قال لي:‏ ‏اسكت ويحك! هذا أديب الأندلس وإمامها وسيّدها في علم الآداب. هذا ابن عبدون، أيسرُ محفوظاته كتاب الأغاني! عن كتاب “المعجب في تلخيص أخبار المغرب” لعبد الواحد المراكشي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *