ما يخفض المرء ويرفعه
ما يخفض المرء عُدمه ويتمه، إذا رفعه دينه وعلمه.
ولا يرفعه ماله وأهله، إذا خفضه فجوره وجهله.
العلم هو الأب، بل هو للثأي أرْأَب. والتقوى هي الأم، بل هي إلى اللبان أضم. فأحرز نفسك في حرزهما، واشدد يديك بغرزهما. يسقك الله نعمة صيّبة، ويحيك حياة طيبة.
أمور تبع الأمور
المروءاتُ كلها تبعٌ للعقلِ، والرأي تبعٌ للتجربةِ، والغبطةُ تبعٌ لحسنِ الثناء، والسرورُ تبعٌ للأمنِ، والقرابةُ تبع للمودةِ، والعملُ تبعٌ للقدرِ، والجدةُ تبعٌ للإنفاقِ.
أصول وثمرات
أصلُ العقل التثبتُ، وثمرتهُ السلامة، وأصل الورع القناعةُ، وثمرتهُ الظفرُ، وأصل التوفيقِ العملُ، وثمرتهُ النُّجحُ.
الرجال أربعة
الرجالُ أربعةٌ: جوادٌ، وبخيلٌ، ومسرفٌ، ومقتصدٌ.
فالجوادُ الذي يوجهُ نصيبَ آخرتهِ ونصيبَ دنياهُ جميعاً في أمرِ آخرتهِ.
والبخيلُ الذي يخطئ واحدةً منهما نصيبها.
والمسرفُ الذي يجمعهما لدنُياهُ.
والمقتصدُ الذي يلحقُ بكل واحدةٍ منهُما نصيبها.
ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم
الآتي إلى وليمة لم يدع إليها.
والداخل بين حديث اثنين لم يدخلاه فيه.
والمتآمر على رب البيت في بيته.
والمقبل بحديث على من لا يسمعه.
والجالس في مجلس ليس له بأهل.
وطالب الخير من أعدائه.
وطالب الفضل من اللئام.
والمستخف بالسلطان.
الفقر فقران
فقر اضطراري وهو فقر عام لا خروج لبَرّ ولا فاجر عنه، وهذا الفقر لا يقتضي مدحا ولا ذما، ولا ثوابا ولا عقابا، بل هو بمنزلة كون المخلوق مخلوقا ومصنوعا.
والفقر الثاني فقر اختياري هو نتيجة علمين شريفين أحدهما معرفة العبد بربه، والثاني معرفته بنفسه، فمتى حصلت له هاتان المعرفتان أنتجتا فقرا هو عين غناه، وعنوان فلاحه وسعادته، وتفاوت الناس في هذا الفقر بحسب تفاوتهم في هاتين المعرفتين، فمن عرف ربه بالغنى المطلق عرف نفسه بالفقر المطلق، ومن عرف ربه بالقدرة التامة عرف نفسه بالعجز التام، ومن عرف ربه بالعز التام عرف نفسه بالمسكنة التامة، ومن عرف ربه بالعلم التام والحكمة عرف نفسه بالجهل.
حسن الخلق
أوصى رجل آخر وأراد سفرا فقال: آثر بعملك معادك، ولا تدع لشهوتك رشادك، وليكن عقلك وزيرك الذي يدعوك إلى الهدى، ويعصمك من الردى، ألجم هواك عن الفواحش، وأطلقه في المكارم ؛ فإنك تبرّ بذلك سلفك، وتشيد شرفك.
تسلية وترويح
قال محمد بن سلام: قال: لقي روح بن حاتم بعض الحروب، فقال لأبي دلامة وقد دعا رجلٌ منهم إلى البراز: تقدم إليه؛ قال: لست بصاحب قتالٍ؛ قال: لتفعلنّ؛ قال: إني جائعٌ، فأطعمني؛ فدفع إليه خبزاً ولحماً؛ وتقدّم، فهمّ به الرجّل، فقال له أبو دلامة: اصبر يا هذا، أيّ محاربٍ تراني؟ ثمّ قال: أتعرفني؟ قال: لا؛ قال: فهل أعرفك؟ قال: لا! قال: فما في الدنيا أحمق منّا؛ ودعاه للغداء، فتغدّيا جميعاً وافترقا، فسأل روحٌ عما فعل، فحدّث، وضحك، ودعا له، فسأله عن القصة، فقال:
إنّي أعوذ بروحٍ أن يقدّمني *** إلى القتال فتخزى بي بنو أسد
آل المهلّب حبُّ الموت ورثكم *** إذ لا أورث حبَّ الموتِ عن أحد
قال جعفر بن نصرٍ: بينما أبو علقمة النحوي في طريق، ثار به مرارٌ، فسقط، فظنّ من رآه أنه مجنون، فأقبل رجلٌ يعضُّ أذنه ويؤذن فيها، فأفاق، فنظر إلى الجماعة حوله، فقال: ما لكم قد تكأكأتم عليَّ كما تتكأكؤون على ذي جنَّةٍ؟ افرنقعوا عني؟ فقال بعضهم لبعضٍ: دعوه! فإنّ شيطانه يتكلّم بالهندية.
قال إسحاق الأزرق: قال: رجلٌ للأعمش: كيف بتّ البارحة؟ قال: فدخل، فجاء بحصير ووسادة، ثم استلقى، وقال: كذا.
أتى وفي خدمته حاجب
كان بعض ولاة مصر يلعب بالحمام، فتسابق هو وخادمٌ له، فسبقه الخادم، فبعث الأمير إلى وزيره يستعلم الحال، فكره الوزير أن يكتب إليه: إنّك قد سُبقت؛ ولم يدر كيف يكني عن تلك الحال، فقال كاتبٌ: إن رأيت أن تكتب:
يا أيّها المولى الذي جـدّه *** لكـلّ جـدّ قاهــرٌ غالـبٌ
طــائـرك السّـابق لكنــّه *** أتى وفي خدمته حاجب
فاستحسن ذلك، وأمر له بجائزةٍ، وكتب به.