قال رجلٌ لأبي تمّام: لم لا تقول ما نفهم؟ فقال: لم لا تفهمون ما أقول؟
هذا عمل اللّصوص
مرّ بهلول بسويق البزّازين، فرأى قوماً مجتمعين على باب دكّانٍ قد نقب، فنظر فيه، وقال: ما تعلمون من عَمِل هذا؟ قالوا: لا، قال: فأنا أعلم.
فقالوا: هذا مجنونٌ، يراهم بالليل ولا يتحاشونه، فالطفوا به لعلّه يخبركم.
فقالوا: خبرنا.
قال: أنا جائع؛ فجاؤوه بطعام وحلواء، فلمّا شبع، قام، فنظر في النّقب،
وقال: هذا عمل اللّصوص.
قال محمد بن سكرة: دخلت حماماً، وخرجت وقد سرق مداسي، فعدت إلى داري حافياً، وأنا أقول:
إليك أذم حمــّام ابن موســــى *** وإن فاق المـــنى طيباً وحرّا
تكاثرت اللّصوص عليه حتى *** ليحفى من يطيف به ويعرى
ولم أفــــقد به ثـــوباً ولكــــن *** دخلت محمداً وخرجت بشراً
قال أبو دلامة وقد ليم على الفرار:
ألا لا تلمــــني في الفرار فإنني *** أخاف على فخّارتي أن تحطما
فلو أنني أبتاع في السوق مثلها *** وحقــّك ما باليـــت أن أتقــدما
اللـص الشفـيق
نزل القاضي أبو غانم في بعض الأيام يُصلـّي بالجامع، ووضع نعليه قـُرب المنبر وكانا جديدين، فلما قضى صلاته قام للبسهما فوجد نعله العتيق مكانهما! فقال لغلامه: ألم أنزل إلى الجامع بالمداس الجديد؟ قال: نعم، قال: فأين هو؟ فقال الغلام: جاءنا الساعةَ رجلٌ وطرق الباب وقال: القاضي يقول لكم: أرسلوا إليه مداسه العتيق إلى الجامع فقد سـُرق مداسه الجديد، فضحك القاضي وقال: هذا والله لص شفيق، جزاه الله خيرًا!
من كتاب “معجم الأدباء” لياقوت
حكم ومواعظ
قال الفقيه القاضي أبي الوليد الباجي رحمه الله في معنى الزهد:
إذا كنت أعلم علماً يقيناً *** بأن جميع حياتي كساعة
فلمْ لا أكون ضنينا بها *** وأجعلها في صلاح وطاعة
قال لبيد في تكذيب الكهانة وزجر الطير:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرت الطير ما الله صانع
فضل العقل
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَصْلُ الرَّجُلِ عَقْلُهُ، وَحَسَبُهُ دِينُهُ، وَمُرُوءَتُهُ خُلُقُهُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: مَا اسْتَوْدَعَ اللَّهُ أَحَدًا عَقْلًا إلاّ اسْتَنْقَذَهُ بِهِ يَوْمًا مَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْعَقْلُ أَفْضَلُ مَرْجُوٍّ، وَالْجَهْلُ أَنْكَى عَدُوٍّ.
وَقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: صَدِيقُ كُلِّ امْرِئٍ عَقْلُهُ وَعَدُوُّهُ جَهْلُهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: خَيْرُ الْمَوَاهِبِ الْعَقْلُ، وَشَرُّ الْمَصَائِبِ الْجَهْلُ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ، وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَسَّانَ:
يَزِينُ الْفَتَى فِي النَّـاسِ صِـحَّةُ عَقْلِهِ *** وَإِنْ كَانَ مَحْـــظُورًا عَلَيْهِ مَكَاسِبُهْ
يَشِينُ الْفَتَى فِي النَّاسِ قِلَّةُ عَقْلِـــــهِ *** وَإِنْ كَرُمَتْ أَعْـــرَاقُهُ وَمَنــــَاسِبُهْ
يَعِيشُ الْفَتَى بِالْعَقْلِ فِي النَّاسِ إنَّهُ *** عَلَى الْعَقْلِ يَجْرِي عِلْمُهُ وَتَجَارِبُهْ
وَأَفْضَلُ قَســْمِ اللَّهِ لِلْمـــَرْءِ عَقْلــُهُ *** فَلَيْـــــسَ مِنْ الأشْيَاءِ شَيْءٌ يُقَارِبُهْ
إذَا أَكْـــــمَلَ الرَّحْمَنُ لِلْمَرْءِ عَقْلَهُ *** فَقــــــَدْ كَمـــُلَتْ أَخْلاقُهُ وَمَـــآرِبُهْ
الْهَوَى
الْهَوَى عَنْ الْخَيْرِ صَادٌّ، وَلِلْعَقْلِ مُضَادٌّ؛ لأنَّهُ يُنْتِجُ مِنْ الأخْلاقِ قَبَائِحَهَا، وَيُظْهِرُ مِنْ الأفْعَالِ فَضَائِحَهَا، وَيَجْعَلُ سِتْرَ الْمُرُوءَةِ مَهْتُوكًا، وَمَدْخَلَ الشَّرِّ مَسْلُوكًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: أَفْضَلُ الْجِهَادِ جِهَادُ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: أَعَزُّ الْعِزِّ الامْتِنَاعُ مِنْ مِلْكِ الْهَوَى.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: خَيْرُ النَّاسِ مَنْ أَخْرَجَ الشَّهْوَةَ مِنْ قَلْبِهِ، وَعَصَى هَوَاهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الأدَبَاءِ: مَنْ أَمَاتَ شَهْوَتَهُ، فَقَدْ أَحْيَا مُرُوءَتَهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: رَكَّبَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ مِنْ عَقْلٍ بِلا شَهْوَةٍ، وَرَكَّبَ الْبَهَائِمَ مِنْ شَهْوَةٍ بِلا عَقْلٍ، وَرَكَّبَ ابْنَ آدَمَ مِنْ كِلَيْهِمَا؛ فَمَنْ غَلَّبَ عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ الْمَلائِكَةِ، وَمَنْ غَلَبَتْ شَهْوَتُهُ عَلَى عَقْلِهِ فَهُوَ شَرٌّ مِنْ الْبَهَائِمِ.
وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: مَنْ أَشْجَعُ النَّاسِ، وَأَحْرَاهُمْ بِالظَّفَرِ فِي مُجَاهَدَتِهِ؟ قَالَ: مَنْ جَاهَدَ الْهَوَى طَاعَةً لِرَبِّهِ، وَاحْتَرَسَ فِي مُجَاهَدَتِهِ مِنْ وُرُودِ خَوَاطِرِ الْهَوَى عَلَى قَلْبِهِ.
وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
قَدْ يُدْرِكُ الْحَازِمُ ذُو الرَّأْيِ الْمُنَى *** بِطَاعَةِ الْحَزْمِ وَعِصْيَانِ الْهَوَى
آرَاءَ الشُّيُوخِ
قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمَشَايِخُ أَشْجَارُ الْوَقَارِ، وَمَنَاجِعُ الْأَخْبَارِ، لا يَطِيشُ لَهُمْ سَهْمٌ، ولا يَسْقُطُ لَهُمْ وَهْمٌ، إنْ رَأَوْك فِي قَبِيحٍ صَدُّوك، وَإِنْ أَبْصَرُوك عَلَى جَمِيلٍ أَمَدُّوك.
وَقِيلَ: عَلَيْكُمْ بِآرَاءِ الشُّيُوخِ فَإِنَّهُمْ إنْ فَقَدُوا ذَكَاءَ الطَّبْعِ فَقَدْ مَرَّتْ عَلَى عُيُونِهِمْ وُجُوهُ الْعِبْرِ، وَتَصَدَّتْ لأَسْمَاعِهِمْ آثَارُ الْغَيْرِ.
وَقِيلَ فِي مَنْثُورِ الْحِكَمِ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ نَقَصَتْ قُوَّةُ بَدَنِهِ وَزَادَتْ قُوَّةُ عَقْلِهِ.
وَقِيلَ فِيهِ: لا تَدَعُ الأَيَّامُ جَاهِلا إلاّ أَدَّبَتْهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: كَفَى بِالتَّجَارِبِ تَأَدُّبًا وَبِتَقَلُّبِ الأَيَّامِ عِظَةً.
وَقَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ: التَّجْرِبَةُ مِرْآةُ الْعَقْلِ، وَالْغِرَّةُ ثَمَرَةُ الْجَهْلِ.