حكم ومواعظ

قال قائل لأكثم بن صيفي حكيم العرب: ما السؤدد؟ قال: اصطناع العشيرة، واحتمال الجريرة، قال: فما الشرف؟ قال: كفّ الأذى، وبذل الندى، قال: فما المجد؛ قال: حمل المغارم، وبناء المكارم، قال: فما الكرم؟ قال: صدق الإخاء، في الشدة والرخاء، قال: فما العز؟ قال: شدة العضد، وكثرة العدد، قال: فما السماحة؟ قال: بذل النائل، وحب السائل، قال: فما الغنى؟ قال: الرضا بما يكفي، وقلة التمني، قال: فما الرأي؟ قال: لُبٌّ تعينه تجربة.
ومن كلامه أيضاً: من وفى بالعهد، فاز بالحمد، ومن اصطنع قوماً، انتفع بهم يوماً، ومن فسدت بطانته كان كمن غصّ بالماء، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن حدَّث من لا يفقه كان كمن قدم مائدة لأهل القبور، ومن قطع عليك الحديث فلا تحدثه، إذ ليس بصاحب أدب، ومن عرف بالصدق قُبِل كَذِبه، ومن عرف بالكذب لم يُقبل صدقه، ومن غضب بلا شيء رضي بلا شيء، ومن أظهر محاسنه ودفن مساويه كمل عقله، ومن غلب هواه عقله افتضح، ومن استشار عدوه في صديقه أمر بقطيعته، ومن فرح بكذب الناس في الثناء عليه بان لهم حُمقه، ومصادقة الكرام غنيمة، ومصادقة اللئام ندامة، وعِدَةُ الكريم نقْد، وعِدَة اللئيم تسويف.
يلـهـيها ترجيـها
أشكو إلى الله نفساً ما تلائمني *** تبغي هلاكي ولا آلو أناجيها
ما إن تزال تناجيني بمعصية *** فيها الهـلاك وإني لا أواتيـها
أخيـــفها بوعيد الله مجــتـهداً *** وليـس تنفك يلـهـيها ترجيـها
لكل شيء آفة
لكل شيء آفة، فآفة العلم النسيان، وآفة العبادة الرياء، وآفة الحياء الضعف، وآفة اللب العُجْب، وآفة الظرف الصلف، وآفة الجود السرف، وآفة الجمال التيه، وآفة السؤدد الكبر، وآفة الحلم الذل.
ويقال أيضاً: آفة الحلم السفه، وآفة الحديث الكذب، وآفة العبادة الفَتْرَةُ، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الدين الهوى، وآفة الحسَب الفخر.
والمراد بالصلف هنا مجاوزة الحد تكبرا.
القناعة
عليك بتقوى الله واقنع برزقه *** فخيـر عبــاد الله مــن هـو قـانـع
وتلـهك الدنـيا ولا تطمـع بـها *** فقد يهلك المغرور فيها المطامع
ثمانية
ثمانية تجري على الناس كلهم *** ولا بد للإنسان يلقى الثمانيه
سرور وحزن واجتماع وفرقة *** ويسر وعسر ثم سُقْمٌ وعافيه
تسلية وترويح
من أحق بالكتـاب؟
قال الحضرمي: أقمت مرة بقرطبة ولازمتُ سوق كتبها مدّة أترقّب فيه وقوع كتاب كان لي بطلبه اعتناء، إلى أن وقع، وهو بخط فصيح وتفسير مليح، ففرحت به أشد الفرح، وجعلت أزيد في ثمنه فيرجع إليَّ المنادي بالزيادة عليّ، إلى أن بلغ فوق حدّه، فقلت له: ما هذا؟ أرني من يزيد في هذا الكتاب حتى بلغه إلى ما لا يساوي، فأراني شخصًا عليه لباس الرئاسة، فدنوت منه وقلت له: أعزّ اللّه سيدنا الفقيه، إن كان لك غرض في هذا الكتاب تركتُه لك، فلقد بلغت به الزيادة بيننا فوق حدّه فقال لي: لستُ بفقيه، ولا أدري فيه، ولكني أقمتُ خزانة كتب، واحتفلتُ فيها لأتجمّل بها بين أعيان البلد، وبقي فيها موضع يسع هذا الكتاب، فلما رأيته حسن الخط، جيّد التجليد، استحسنته، ولم أبال بما أزيد فيه، والحمد للّه على ما أنعم به من الرزق فهو كثير، فأحرجني وحملني على أن قلت: نعم، لا يكون الرزق كثيرًا إلا عند مثلك، وأنا الذي أعلم ما في هذا الكتاب وأطلب الانتفاع به، تحول قلّة ما بيدي بيني وبينه! ‏
                                                                                      من كتاب “نفح الطيب” للمقري التلمساني
من نوادر أبي العيناء
من مشاهير العميان الإخباري أبو العيناء، كان من أحفظ الناس، وأفصحهم لساناً، وأسرعهم جواباً، وأحضرهم نادرة،‏‏ مرّ يوماً على دار عدوٍّ له، فسأل أهله: ‏ما خبرُ أبي محمد؟‏ ‏ فقالوا:‏ على ما تحبّ، قال: فما لي لا أسمع الصراخ عليه؟! ‏
                                                                                        من كتاب “نكت العميان” للصفدي.
نحوهـم عن أعمالهـم
بلغ عبد الملك، أن عاملاً من عماله قبل هدية، فأمر بإشخاصه إليه، فلما دخل عليه، قال له:‏ أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال:‏ يا أمير المؤمنين بلادك عامرة، وخراجك موفور ورعيتك على أفضل حال، قال عبد الملك، أجب فيما سألتك عنه، أقبلت هدية منذ وليتك؟ قال:‏ ‏ نعم، فقال له:‏ ‏ لئن كنت قبلت ولم تعوض، إنك للئيم، ولئن أنلـْت مهديك أو استكفيته ما لم يكن يـُستكفاه، إنك لجائر خائن، ولئن كان مذهبك أن تعوّض المهدي إليك من مالك، وقبلت ما اتهمك به عند من استكفاك، وبسط لسان عائبك، وأطمع فيك أهل عملك، إنك لجاهل، ولا يصلح من أتى أمراً لم يخلُ فيه من دناءة أو خيانة أو جهل مصطنع، ثم نحاه عن عمله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *