قصيدة العدد

نخبة من وصية ابن سعيد المغربي لابنه وقد أراد السفر
أودعك الرحمان في غربتك … مرتقباً رحماه في أوبتك
فلا تطل حبل النوى إنني … والله أشتاق إلى طلعتك
واختصر التوديع أخذاً فما … لي ناظر يقوى على فرقتك
واجعل وصاتي نصب عين ولا … تبرح مدى الأيام من فكرتك
خلاصة العمر التي حنكت … في ساعة زفت إلى فطنتك
فللتجاريب أمور إذا … طالعتها تشحذ من غفلتك
فلا تنم عن وعيها ساعة … فإنها عون إلى يقظتك
وكل ما كابدته في النوى … إياك أن يكسر من همتك
فليس يدري أصل ذي غربة … وإنما تعرف من شيمتك
وامش الهوينا مظهراً عفة … وابغ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيث العي مستقبح … واصمت بحيث الخير في سكتتك
ولج على رزقك من بابه … واقصد له ما عشت في بكرتك
ووف كلاً حقه ولتكن … تكسر عند الفخر من حدتك
وحيثما خيمت فاقصد إلى … صحبة من ترجوه في نصرتك
وللرزايا وثبة ما لها … إلا الذي تذخر من عدتك
ولا تقل أسلم لي وحدتي … فقد تقاسي الذل في وحدتك
والتزم الأحوال وزناً ولا … ترجع إلى ما قام في شهوتك
ولتجعل العقل محكاً وخذ … كلاً بما يظهر في نقدتك
واعتبر الناس بألفاظهم … واصحب أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديق مظهر نصحه … وفكره وقف على عثرتك
إياك أن تقربه إنه … عون مع الدهر على كربتك
وانمُ نمو النبت قد زاره … غب الندى واسم إلى قدرتك
ولا تضيع زمناً ممكناً … تذكاره يذكي لظى حسرتك
والشر مهما اسطعت لا تأته … فإنه حوز على مهجتك

وتلك الأمثال
السَّليِمُ لاَ يَنَامُ َولاَ يُنِيمُ

قال المفضل: أول مَنْ قال ذلك إلياس ابن مُضَر، وكان من حديث ذلك -فيما ذكر الكلبي عن الشَّرْقي بن القطامي- أن إبل إلياس نَدَّتْ ليلاً، فنادى ولدَه وقال: إني طالب الإبل في هذا الوجه، وأمر عَمْرا ابنه أن يطلب في وَجْه آخر، وترك عامراً ابنه لعلاج الطعام، قال: فتوجه إلياس وعمرو وانقطع عمير ابنه في البيت مع النساء، فقالت ليلى بنت حُلْوان امرأتُه لإحدى خادميها: اخرجي في طلب أهلك، وخرجت ليلى فلقيها عامر محتقباً صيداً قد عالجه، فسألها عن أبيه وأخيه فقالت: لا علم لي، فأتى عامر المنزل وقال للجارية: قُصِّي أثر مولاك، فلما ولَّت قال لها: تَقَرْصَعِي، أي اتئدي وانقبضي، فلم يَلْبَثوا أن أتاهم الشيخ وعمرو ابنه قد أدرك الإبل، فوضع لهم الطعام، فقال إلياس: السليم لا ينام ولا ينيم، فأرسلها مثلاً، وقالت ليلى امرأته: والله إن زِلْتُ أخَنْدِفُ في طلبكما والهة، قال الشيخ: فأنت خِنْدِف، قال عامر: وأنا والله كنت أدْأبُ في صَيْدٍ وطَبْخٍ، قال: فأنت طَابِخَةٌ قال عمرو: فما فعلت أنا أفضل، أدْرَكْتُ الإبلَ، قال: فأنت مُدْرِكة، وسمي عميراً قمعَةً، لانقماعه في البيت، فغلبت هذه الألقاب على أسمائهم.
يضرب مثلا لمن لا يستريح ولا يُريح غيرَه. «مجمع الأمثال الميداني».

سحر البيان
أنشد أبو حاتم عن أبي زبد:

ألا أبلغ أخا قيس رسولا … بأنّي لم أخنك ولم تخنّي
ولكني طويت الكشح لمّا … رأيتك قد طويت الكشح عنّي
فلست بمدرك ما فات منّي … بلهف ولا بليت ولا لوْ أنّي
ولست بآمن أبدا خليلا … على شيء إذا لم يأتمنّي
فان أعطف عليك بفضل حلمي … فما قلبي إليك بمطمئنّ
وصلتك ثم عاد الوصل إنّي … قرعت ندامة من ذاك سنّي

سلسلة أشهر القصائد
نبذة في الشعر الجاهلي

من كتاب «في تاريخ الأدب الجاهلي لعلي الجندي».
منزلة الشعر عند العرب
الشعر لغة العواطف، وترجمان الأحاسيس، ويعنى بإظهار الجمال، وتصويره في صور تسحر القلوب، وتثير الوجدان، وتبعث في النفس الإعجاب والارتياح. ولذلك عد من الآداب الرفيعة، واعتبر فنًّا من الفنون الجميلة.
وقد عرف العرب منذ أقدم عصورهم قيمة الشعر وأثره في النفس، وما له من شأن عظيم في تاريخ الأمم والشعوب، بإظهار مواهبها، وسمو عواطفها، ورقة مشاعرها وتخليد أمجادها ومفاخرها فقدروا الشعر حق قدره، وعظموا الشعراء وأكبروهم فكان للشاعر أعلى منزلة في قومه، وفي ذلك يقول ابن رشيق: «كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ، أو فرس تنتج».
نوع الشعر الجاهلي وأسباب جماله
الجاهليون لم توجد لهم الأسباب التي تدعو لقول الشعر القصصي أو الشعر التمثيلي، فلم يأت لهم فيهما شيء. وجاء شعرهم كله من النوع الغنائي. وقد بلغوا في هذا النوع درجة ممتازة، وذلك لعوامل كثيرة ساعدتهم على ذلك.
وأهم هذه العوامل: صفاء البيئة التي كان يعيش فيها العربي، مما جعله يحس الجمال الطبيعي، ثم الحرية التي كان يتمتع بها، وحبه لشخصيته، وتعصبه لقبيلته التي هي عماده وملاذه، والاستقلال الذي كانت تتمتع به البلاد، والحروب التي كانت تنشب بينهم، وما كان يتسبب عنها من آثار تلهب العواطف، وتثير المشاعر، هذا إلى ما كانت تتطلبه صِلاتهم ومجتمعاتهم الخاصة والعامة من رصين الشعر، والتنافس بين الأفراد والقبائل في ميادين الفصاحة والبيان، وما كان يقام من مباريات الشعر، ومجالس النقد، وما كان يناله الشعراء الممتازون من تقدير وتكريم.
بناء القصيدة الجاهلية:
يبدأ الشاعر الجاهلي قصيدته بافتتاحية يجعلها مقدمة لما سيأتي بعدها، وكان أكثر هذه الافتتاحات دورانًا على ألسنة الشعراء الحديث عن الأطلال وارتحال الحبيبة وأثرهما في نفس الشاعر، ثم الحديث عن ذكريات الحبيبة وجمالها، ومحاولة التسلي عنها، وبعد ذلك تتوالى الأفكار حسب ما يراه الشاعر، يعرض أفكاره في تسلسل منطقي، كل فكرة ترتبط بسابقتها برباط عقلي، ظاهر أو خفي.
ومن أهم ما يمتاز به الشعر العربي اتحاد الوزن والقافية في جميع أبيات القصيدة الواحدة إلى آخرها، مهما كان طولها، كما تمسك العربي في شعره بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه، وأنه يجب ألا يكون معناه التام متوقفًا على شيء في بيت سابق أو بيت لاحق.
أغراض الشعر الجاهلي:
أثرت البيئة الجاهلية بمظاهرها المختلفة، في نفسية الشاعر الجاهلي، فحركت وجدانه، وألهبت عواطفه، وأثارت مشاعره، فانطلق لسانه مصورًا خلجات نفسه، ونبضات حسه في شتى المناسبات، فجاء الشعر الجاهلي حافلًا بمختلف العواطف الإنسانية، ومن دراسة هذا التراث الشعري، نجد أنهم تغنوا بطيب أعراقهم، ومكارم أخلاقهم، وأشادوا بأبطالهم وخلدوا أيامهم وأمجادهم، وتعالوا بما أحرزوه من نصر وغنائم، وغالوا في الحديث عن هزائم أعدائهم، وما نالهم من خسائر في الأرواح والأموال، وما كبلوا فيه من سلاسل وأغلال.
واعتذروا عما بدر مما لا يناسب الخلق الكريم، ومدحوا اعترافًا بالفضل، وتخليدًا للشهامة والمروءة ووصفوا كل ما وقعت عليه عيونهم من مظاهر الجمال، فأتوا في كل ذلك بروائع الصور، فامتلأ شعرهم بفنون عديدة من الشعر الغنائي، ففيه الوصف، والغزل، والفخر، والمدح، والهجاء والذم، والتهديد، والرثاء، والإنذار، والاعتذار، والنصح، والحكمة.
ولا نجد الشاعر يؤلف قصيدته في غرض واحد من هذه الأغراض، بل إن كل قصيدة كانت في معظم الأحوال تتألف من الحديث في أكثر من فن واحد من هذه الفنون تبعا لهوى الشاعر، والمثيرات التي تهيج عاطفته، وتحرك مشاعره.
الظواهر العامة في الشعر الجاهلي:
من دراسة الشعر الجاهلي، يتبين فيه ظواهر عامة كثيرة من الناحيتين المعنوية والشكلية:
المادية والحسية، البساطة في التفكير، الصلة بالبيئة، وحدة المعاني وتنوع الصور، الصدق والدقة، الحياة والحركة، الروح الجماعية، المحافظة على التقاليد الشعرية، العناية بالألفاظ والعبارات.

فسحة الواحة
طعام أبي الرقعمق

من ظريف ما اتفق لأبي الرقعمق قال: كان لي إخوانٌ أربعةٌ وكنت أناديهم في أيام الأستاذ كافور. فأتى إلي رسولهم في يوم باردٍ وليست لي كسوةٌ تحصنني من البرد. فقال الرسول: إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك: اصطبحنا اليوم وذبحنا شاةً سمينةً فاشته ما نطبخه لك وأتنا عاجلاً. فكتبت إليهم:
إخواننا قصدوا الصبوح بسحرة … فأتى رسولهم إلي خصيصا
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه … قلت اطبخوا لي جبةً وقميصا
فذهب الرسول إليهم بالرقعة. فما شعرت حتى عاد ومعه أربع خلعٍ وأربع صررٍ في كل صرةٍ عشرة دنانير فلبست إحداها وسرت إليهم.

الأعرابي والذئب
حكي أن أعرابياً أخذ جرو ذئبٍ فرباه بلبن شاة فقال: إذا ربيته مع الشاة يأنس بها فيذب عنها ويكون أشد من الكلب. فلا يعرف طبع أجناسه. فلما قوي وثب على شاته فافترسها. فقال الأعرابي:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي … وأنت لشاتنا ولد ربيب
غذيت بدرها وربيت فينا … فمن أنباك أن أباك ذيب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *