حكم ومواعظ

حكم ومواعظ
لا عيش في الدنيا إلا للقنوع باليسير، فإنه كلما زاد الحرص على فضول العيش زاد الهمّ، وتشتت القلب، واستعبد العبد، وأما القنوع فلا يحتاج إلى مخالطة من فوقه، ولا يبالي بمن هو مثله، إذ عنده ما عنده.
صيد الفوائد
أقوال السلف في الهوى
قال بعض السلف: الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده.
وقال بشر الحافي: البلاء كله في هــواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه.
قيل للمهلب: بم نلت ما نلت: قال: بطاعة الحزم وعصيان الهوى.
وقال الفضيل: من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق.
وقال معاوية رضي الله عنه: المروءة ترك الشهوات وعصيان الهوى.
وقال ابن القيم: مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه وقلبه ولسانه.
وقال معروف: كان يقال من يخالف هواه يفرق الشيطان منه.
السلف وذم الجدل
قال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم سوءاً فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.
وقال معروف الكرخي: إذا أراد الله بعبده شراً أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.
وقال الشافعي: المراءُ في الدين يقسي القلب ويورث الضغائن.
وقال عمر بن عبد العزيز: من جعل دينه عرضاً للخصومات أكثر التنقل.
وقال: قد أفلح من عصم من المراء والغضب والطمع.
وقال: احذر المراء، فإنه لا تؤمن فتنته، ولا تفهم حكمته.
وقال معاوية بن قرة: الخصومات في الدين تحبط الأعمال.
وقال جعفر بن محمد: إياكم والخصومة في الدين، فإنها تشغل القلب وتورث النفاق.
قال هشام بن حسان: جاء رجل إلى الحسن فقال: يا أبا سعيد تعال حتى أخاصمك في الدين فقال الحسن:
أما أنا فقد أبصرت ديني فإن كنت أضللت دينك فالتمسه.
وقال عبد الكريم الجزري: ما خاصم ورع قط في الدين.
السلف والجوع
قال عمر: إياكم والبطنة فإنها ثقل في الحياة ونتن في الممات.
وقال محمد بن واسع: من قل طعامه فهم وأفهم، وصفا ورقّ.
قال الحسن البصري: إذا أردت أن يصح جسمك ويقل نومك فأقلل من الأكل.
وقال إبراهيم بن أدهم: من ضبط بطنه ضبط دينـــه.
وقال عمرو بن قيس: إياكم والبطنة فإنها تقسي القلب.
وقال الشافعي: الشبع يثقل البدن؛ ويزيل الفطنة؛ ويجلب النوم.
وقال لقمان لابنه: يا بني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وقعدت الأعضاء عن العبادة.
وقال الحسن البصري: كانت بلية أبيكم آدم، وهي بليتكم إلى يوم القيامة.
قال الشافعي: ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا مرة.
وقال بشر بن الحارث: الجوع يصفي الفؤاد، ويميت الهوى، ويورث العلم.
وقال أبو سليمان الداراني: مفتاح الدنيا الشبع، ومفتاح الآخرة الجوع.
درر وفوائد
حرمان الطاعة
لو لم يكن للذنب عقوبة إلا أنه يصد عن طاعة تكون بادية، ويقطع طريق طاعة أخرى تالية، ثم رابعة وهلم جرا، فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة، كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها.
الجواب الكافي

قد بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحكمة التي هي سنته، وهي الشرعة والمنهاج الذي شرعه له، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر، وإن لم يظهر لكثير من الخلق في ذلك مفسدة، لأمور:
منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال، وهذا أمر محسوس، فإن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة -مثلاً- يجد من نفسه نوع تخلق بأخلاقهم.
ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال.
ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر، حتى يرتفع التميز ظاهرا، بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين.
اقتضاء الصراط المستقيم
قال تعالى (إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ).
لم يبين هنا موجب استكباره في زعمه، ولكنه بينه في مواضع أخر كقوله (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، وقياس إبليس هذا باطل من ثلاثة أوجه:
الأول: أنه فاسد الاعتبار، لمخالفة النص الصريح.
الثاني: أن لا نسلم أن النار خير من الطين، بل الطين خير من النار، لأن طبيعتها الخفة والطيش والإفساد والتفريق، وطبيعته الرزانة والإصلاح فتودعه الحبة، فيعطيكها سنبلة.
الثالث: أنا لو سلمنا تسليماً جدلياً أن النار خير من الطين، فإنه لا يلزم من ذلك أن إبليس خير من آدم، لأن شرف الأصل لا يقضي شرف الفرع، بل قد يكون الأصل رفيعاً والفرع وضيعاً.
أضواء البيان 1/87
حديث: (الشمس والقمر ثوران مكوران يوم القيامة)
ليس المراد بالحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس والقمر في النار يعذبان فيها عقوبة لهما، … وعليه: فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين:
الأول: أنهما من وقود النار.
والثاني: أنهما يلقيان فيها تبكيتاً لعبَّادِهما.
قال الخطابي: ليس المراد بكونهما في النار تعذبهما بذلك، ولكنه تبكيت لمن كان يعبدهما في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهم كانت باطلاً.
قلت: وهذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث، ويؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى -كما في الفتح- (ليراهما من عبدهما) ولم أرها في مسنده.
السلسلة الصحيحة 1/194

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *