حكم ومواعظ

قال الحسن: نعم الله أكثر من أن تشكر إلا ما أعان عليه، وذنوب ابن آدم أكثر من أن يسلم منها إلا ما عفا الله عنه.
قال أبو العباس: قال الأحنف بن قيس: ألا أدلكم على المحمدة بلا مرزئة؟ الخلق السجيح -السهل-، والكف عن القبيح .ألا أخبركم بأدوإ الداء؟ الخلق الدنيء، واللسان البذيء.
ما قيل في المال
أنشد أبو محلمٍ من ولد طلبة بن قيس بن عاصم:
وكنت إذا خاصمت خصماً كببته *** على الوجه حتى خاصمتني الدراهم
فلمـا تنازعنا الخصــومة غلبــت *** علــي، وقــالوا: قــم فـــإنــك ظــالم
وقرأ محمد بن يزيد المبرد عن أبي الفضل العباس بن الفرج الرياشي، عن أبي زيد الأنصاري:
ولقد بغيــت المال مـــن مـــبغاته *** والمال وجهٌ للفتى معروض
طلب الغنى عن صاحبي ليحبني *** إن الفقــير إلى الغني بغيض
كان الحسن يقول: ليس العجب ممن عطب كيف عطب، إنما العجب ممن نجا كيف نجا.
ويقول أيضا: حادثوا هذه القلوب، فإنها سريعة الدثور. واقدعوا هذه الأنفس فإنها طلعة -كثيرة التشوف والتنزي إلى ما ليس لها- وإنكم إلا تقدعوها تنزع بكم إلى شر غاية.
وكان الحجاج بن يوسف يقول على المنبر: أيها الناس، اقدعوا هذه الأنفس -أَي كُفُّوها عما تَتَطَلَّعُ إِليه من الشهوات-. فإنما أسأل شيء إذا أعطيت، وأمنع شيء إذا سئلت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاماً وزماماً فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله. فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذابه.
لما احتضر قيس بن عاصم قال لبنيه: يا بني، احفظوا عني ثلاثاً، فلا أحد أنصح لكم مني: إذا أنا مت فسودوا كباركم، ولا تسودوا صغاركم، فيحقر الناس كباركم، وتهنوا عليهم. وعليكم بحفظ المال فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم، وإياكم والمسألة فإنها أَخِر -“أخر” بفتح الهمزة وكسر الخاء، ومعنى أخر أدنى- كسب الرجل.
قال سعيد بن المسيب: كنت بين القبر والمنبر مفكراً، فسمعت قائلاً ولم أره: اللهم إني أسألك عملاً باراً. ورزقاً داراً. وعيشاً قاراً.
قال سعيد: فلزمتهن فلم أر إلا خيرا.
قال الأصمعي: كان من دعاء أبي المجيب: اللهم اجعل خير عملي ما قارب أجلي.
قال: وكان يقول في دعائه: اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا إلى الناس فنضيع.
تسلية وترويح
قيل لأشعب: أرأيت أطمع منك؟ قال: نعم كلبة آل أبي فلان، رأت شخصاً يمضغ علكاً، فتبعته فرسخاً تظن أنه يرمي لها بشيء من الخبز.

قال الشاعر:
إني لأعجب من مطـالك أعجب *** من طول تردادي إليك وتكذب
وتقول لي تأتي وتحــلف كاذبـاً *** فأجيء من طمعٍ إليك وأذهـب
فإذا اجتمعت أنا وأنـت بمجلسٍ *** قالــوا مســـيلمة وهــذا أشعب
كودن وحمار
وأتى محمد بن مكرم شاعر فقال: إني قد هجوتك بشعر؟ فقال: قل، فو الله لئن أحسنت لأخلعن عليك خلعةً، فأنشده:
يا فتى مكرم تنحّ عن الفخـ *** ر فمـا مـكرمٌ ومـا دينـار
لا تفاخر إذا فخرت بهذيـ *** ن فذا كودن1 وذاك حمار
فقال: أحسنت، ولكني أكسوك من ثيابنا، يا غلام، ارم عليه جلاً2 وبرذعةً.
من مستجاد ما قيل في البخل
قول أبي نواس في إسماعيل بن نيبخت:
على خبز إسمــاعيل واقـية الـبخل *** فقد حـلّ في دار الأمــان مــن الأكل
وما خبزه إلا كـآوى يــرى ابنـــها *** ولسنا نراها في الحزون ولا السّهل
وما خــبزه إلاّ كالعنـــقاء معــرب *** تصوّر في بسط المــلوك وفي المثل
يحدّث عنها الناس من غير رؤيةٍ *** سـوى صـورة مـا إن تمر ولا تجلي
ومــا خبـــزه إلا كلـيب بـن وائـل *** لبــالي يحــمي عــزّه مــنـبــت البقل
وإذ هـو لا يستبّ خصـمان عنده *** ولا الصوت مرفوع بجـدٍّ ولا هزل
فإن خبز إسـماعيل حـلّ به الذي *** أصـاب كلـيباً لم يكــن ذاك عـن ذلّ
ولـكن قضـاءٌ ليس يسـطاع ردّه *** بحيـــلة ذي دهي ولا مكر ذي عقل
القطان حمدان
ودخل رجل على المتوكل فقال له: ما اسمك؟ قال: قطان. قال: وما صناعتك؟ قال: حمدان. قال: لعل اسمك حمدان وصناعتك قطان؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، ولكني دهشت لهيبتك.
قال الجاحظ: سألت وراقاً عن حاله؟ فقال: عيشي أضيق من محبرة، وجسمي أدق من مسطرة، وجاهي أرق من الزجاج، ووجهي عند الناس أشد سواداً من الحبر بالزاج، وحظي أخفى من شق القلم، وجسمي أضعف من قصبة، وطعامي أمض من الحبر، وشرابي أمر من العفص؛ وسوء الحال ألزم بي من الصمغ. فقلت: لقد عبرت ببلاء عن بلاء.
حتى يشمل عدله الجميع
شكا أهل بدلة إلى المأمون والياً عليهم؛ فقال: كذبتم عليه، قد صح عندي عدله فيكم وإحسانه إليكم. فقال شيخ منهم: يا أمير المؤمنين؛ فما هذه المحبة لنا دون سائر رعيتك، قد عدل فينا خمس سنين فانقله إلى غيرنا حتى يشمل عدله الجميع، وتريح معنا الكل؛ فضحك منهم وصرفه عنهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1: الكودن البِرْذَوْنُ الهَجِينُ، وقيل: هو البغل.
2: وجِلال كل شيء: غِطاؤه، وتجليل الفرس: أَن تُلْبِسه الجُلَّ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *