اللجوء إلى الله تعالى

من حكمة الله أن يبتلى عباده بألوان من الهموم والأمراض والمصائب؛ ليسألوه، ويقفوا بين يديه، فيجدوا رباً غنياً غير فقير، وقريباً غير بعيد، وعزيزاً غير ذليل فالابتلاء يسوق الإنسان إلى ربه سوقاً، يتوسل إليه ويدعوه فيجد ربه قريباً مجيباً؛ فيعرف العباد له قدرته وكرمه ورحمته وحكمته.

قال تعالى: (إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ).
ففي خضم الحياة المادية يحتاج المؤمن إلى ملجئ يأوي إليه، ومعين يعتمد عليه، وقوي جليل يتقوى بقواه، وعظيم كبير يحتمي بحماه ومفتاح ذلك الدعاء.
تسقط القوة، وتعيا الحيلة فليس إلا الدعاء..
وتضيق الدنيا بأهلها فليس إلا الدعاء..
فبالدعاء تحل عقد المكاره، وبه يلتمس المخرج، ومعه تفتح أبواب الفرج.
إن الدعاء معين من الخير لا ينضب، ومدد من العون لا ينفد؛ لأنه باب العطاء العظيم والله سبحانه يحب الداعين ولا يخيب السائلين الصادقين..
إنه المُجِيب الذي يُقابِل السؤالَ والدُّعاء بالقَبُول منة منه وجودا وعطاء..
كل الخلائق مفتقرة إليه، ولا قوام لحياتها إلا عليه، لا ملجأ لها منه إلا إليه، ولكن الله حكيم في إجابته، قد يعجل أو يؤجل على حسب السائل والسؤال، أو يلطف بعبده باختياره الأفضل لواقع الحال، أو يدخر له ما ينفعه عند المصير والمآل، لكن الله تعالى يجيب عبده حتماً ولا يخيب ظنه أبداً كما وعد وقال وهو أصدق القائلين (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَليَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).
قال العلامة ابن ناصر السعدي رحمه الله في تفسيرها: “هذا جواب سؤال، سأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه فقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فنزل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ} لأنه تعالى الرقيب الشهيد، المطلع على السر وأخفى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهو قريب أيضا من داعيه بالإجابة، ولهذا قال: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} والدعاء نوعان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.
والقرب نوعان1: قرب بعلمه من كل خلقه، وقرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق.
فمن دعا ربه بقلب حاضر، ودعاء مشروع، ولم يمنع مانع من إجابة الدعاء، كأكل الحرام ونحوه، فإن الله قد وعده بالإجابة، وخصوصا إذا أتى بأسباب إجابة الدعاء، وهي الاستجابة لله تعالى بالانقياد لأوامره ونواهيه القولية والفعلية، والإيمان به الموجب للاستجابة، فلهذا قال: {فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} أي: يحصل لهم الرشد الذي هو الهداية للإيمان والأعمال الصالحة، ويزول عنهم الغي المنافي للإيمان والأعمال الصالحة. ولأن الإيمان بالله والاستجابة لأمره، سبب لحصول العلم كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا}” اهـ؛ تيسير الكريم الرحمن.
وإذا كنت في ضر ومرض وألم فلا تضن على نفسك بالدعاء فبه يكشف الضر وبه يزول: (وأيُوبَ إذ نَادَى رَبَّهُ أنِّي مَسَّنِي الضُّر وَأنتَ أرْحَمُ الرَّاحِمِين فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ).
وإذا دفعت إلى شدة وخوف عظيم لا حيلة لك فيها؛ فالجأ إلى الصلاة والدعاء، وأقبل على التضرع والبكاء، واسأل الله عز وجل تعجيل الفرج فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب يقول: (لا إله إلا الله العظيم الحليم؛ لا إله إلا الله رب العرش الكريم؛ لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض رب العرش الكريم).
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث الثابت: (ما أصاب أحداً قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك اللهم بكل اسم هو لك؛ سميت به نفسك؛ أو علمته أحداً من خلقك؛ أو أنزلته في كتابك؛ أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي؛ ونور صدري؛ وجلاء حزني؛ وذهاب همي. إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحاً فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها؟ قال: بل ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها).
قال ابن مسعود: ما كرب نبي من الأنبياء إلا استغاث بالتسبيح (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
وفي كتاب (الفرج بعد الشدة) أن الوليد بن عبد الملك بن مروان كتب إلى صالح بن عبد الله المزني، عامله على المدينة، أن أنزل الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، فاضربه في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، خمسمائة سوط.
قال: فأخرجه صالح إلى المسجد، ليقرأ عليهم كتاب الوليد بن عبد الملك، ثم ينزل فيضرب الحسن، فبينما هو يقرأ الكتاب، إذ جاء علي بن الحسين رضي الله عنهما، مبادراً يريد الحسن، فدخل والناس معه إلى المسجد، واجتمع الناس، حتى انتهى إلى الحسن فقال له: يا ابن عم، ادع بدعاء الكرب. فقال: وما هو يا ابن عم قال: قل: لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين.
قال: وانصرف علي، وأقبل الحسن يكررها دفعات كثيرة. فلما فرغ صالح من قراءة الكتاب ونزل عن المنبر، قال للناس: أرى سحنة رجل مظلوم، أخروا أمره حتى أراجع أمير المؤمنين، وأكتب في أمره. ففعل ذلك، ولم يزل يكاتب، حتى أطلق. قال: وكان الناس يدعون، ويكررون هذا الدعاء، وحفظوه. قال: فما دعونا بهذا الدعاء في شدة إلا فرجها الله عنا بمنه).
اللهم اجعل لنا وللمستضعفين من المؤمنين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1. كون صفة القرب على نوعين عامة وخاصة محل خلاف بين أهل السنة والحديث؛ والذي حققه شيخ الإسلام رحمه الله في مجموع الفتاوي وتلميذه ابن القيم رحمه الله في الصواعق المرسلة أن صفة القرب لم تأتي في النصوص الشرعية إلا خاصة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *