نصر حامد أبو زيد إخضاع القرآن لنظرية (الهرمنيوطيقا)!1

توفي في مطلع شهر يوليوز الجاري الكاتب المصري نصر حامد أبو زيد الذي كان يدرّس طلابه في الجامعة مؤلفات تتضمن إنكارًا صريحًا لحقائق القرآن، كالعرش والملائكة والجن والشياطين، ويدعي أن القرآن الكريم نص إنساني بشري ليس من عند الله، ويطالب بأن يتجه العقل إلى إحلال مفاهيم معاصرة أكثر إنسانية وتقدمًا، بدلا من الالتزام بأحكام الله الواردة في مجال التشريع والأحكام. 

وقد أعد مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ثلاثة تقارير مختلفة عن مؤلفات نصر أبو زيد، ووصفها بأنها أشد المؤلفات عداوة للإسلام، وأكثرها ضراوة على القرآن، وأوقحها تطاولا على شريعة الله.
واتهم مجمع البحوث المؤلف نصر أبو زيد بالكفر والردة عن الإسلام والزندقة، وأوصى بإبعاده عن التدريس لطلاب الجامعة والمعاهد العلمية، حفاظًا على عقيدتهم ومنع تداول مؤلفاته بين الطلاب والقراء.
وقد أصر أبو زيد على أفكاره، وخرج هو وزوجته من مصر للإقامة في هولندا، هربًا من تنفيذ حكم الردة والتفريق، وفرارًا من لعنات المسلمين ذوي الغيرة على عقيدتهم وقرآنهم.
وبيانا لحقيقة هذا الكاتب الشديد العداوة للقرآن؛ الذي تطبل له المنابر العلمانية الوطنية والعربية نورد هذه الترجمة.

ترجمته
من مواليد 1/7/1943م، طنطا محافظة الغربية، حاصل على دكتوراه من قسم اللغة العربية وآدابها، كلية الآداب، جامعة القاهرة، في الدراسات الإسلامية 1972، عين سنة 1995 أستاذًا بقسم اللغة العربية وآدابها بالكلية نفسها.
تلقى في سنة 1975-1977 منحة من مؤسسة فورد(!) للدراسة في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وفي سنة 1978-1979 منحة من مركز دراسات الشرق الأوسط، جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومن سنة 1985-1989 عين في اليابان، جامعة أوساكا للغات الأجنبية كأستاذ زائر، ابتداء من سنة 1995 يعمل كأستاذ زائر (أستاذ دكتور) في جامعة ليدن بهولندا. من مؤلفاته: “الإمام الشافعي وتأسيس الإيدلوجية الوسطية”، “نقد الخطاب الديني”، “البحث عن أقنعة الإرهاب”، “التراث بين الاستخدام النفعي والقراءة العلمية”، “إهدار السياق في تأويلات الخطاب الديني”، “مفهوم النص”، “التفكير في زمن التكفير”، “إشكاليات القراءة وآليات التأويل”.
هلك في 5/7/2010.
فكره
نادى أبو زيد بإخضاع القرآن لنظرية غربية مادية تنكر الخالق وتؤول الوحي الإلهي على أنه إفراز بيئوي أسطوري، ناتج عن المعرفي التاريخي الغارق في الأسطورة، وهذه النظرية هي «الهرمنيوطيقا».
والقضية الأساسية التي تتناولها «الهرمنيوطيقا» بالدرس هي معضلة تفسير النص بشكل عام، سواء كان هذا النص نصًا تاريخيًا، أم نصـًا دينيًا.
لقد طالب أبو زيد بالتحرر من سلطـة «النصوص» وأولهـا «القرآن الكريم» الذي قال عنه: «القرآن هو النص الأول والمركزي في الثقافة (النص، السلطة، الحقيقة، ص19). «لقد صار القرآن هو «نص» بألف ولام العهد» (مفهوم النص، ص27) «هو النص المهيمن والمسيطر في الثقافة» (مفهوم النص، ص27) «فالنص نفسه -القرآن- يؤسس ذاته دينًا وتراثًا في الوقت نفسه» (النص، السلطة، الحقيقة، ص16).
وقال مطالبًا بالتحرر من هيمنة القرآن: «وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرر لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كل سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان» (الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجية الوسطية ص146).
إن مشروع «نصر أبو زيد»، هو وضع التصورات الماركسية ومضامين المادية الجدلية وتفسيراتها للحياة والكون والإنسان والوحي والنبوة والغيب والعقيدة في المعنى القرآني فيصير القرآن ماركسيًا ينطق باسم ماركس وفلاسفة المادية الجدلية والهرمنيوطيقا (نظرية تفسير مادية) فيغير بذلك المفاهيم الرئيسة للقرآن، ويلغي المعاني الحقيقية للسور والآيات، ويطمس الحقائق الدينية التي رسخها القرآن وبينتها السنة.
إذن: فأبو زيد يتهم الوحي بأنـه ليس له مصدر سماوي مقدس، وينفي عنه صفه الفوقية -إن صح التعبير- لأنه عنده خرج من الواقع ورجع إلى الواقع وليس هناك إلا الواقع! وهو ينص على ذلك في قوله: «فالواقع أولاً والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا»!! (نقد الخطاب الديني، ص130) الواقع فقط!!
إن هذا الوعي “العلمي” المتطرف في حكمه على الدين أدى إلى خلل كبير: «إن التصور الغربي للإنسان يشتمل على خللين أساسيين: الخلل الأول هو اعتبار أن الإنسان هو ذلك الحيوان الدارويني المتطور، الذي قدمته نظرية دارون في القرن الماضي، وما تزال تغذيه في كثير من مجالات الدراسة، والدراسات الاجتماعية بصفة خاصة، والخلل الثاني هو دراسة الإنسان بمعزل عن خالقه الذي أنشأه وأخرجه إلى الوجود» (حول التأصيل الإسلامي للعلوم الاجتماعية، ص51).
تطبيقات الهرمنيوطيقا
نأتي هنا إلى تطبيقاته لهذه الفلسفة على القرآن وإعطائه مضامينها المجازية التي تنكر وجود الله وتنفي ما أثبته القرآن من حقائق. فالهدف من الهرمنيوطيقا هو -حسب قوله-: «أن يعاد فهم النصوص وتأويلها بنفي المفاهيم التاريخية الاجتماعية الأصلية(!) وإحلال المفاهيم المعاصرة الأكثر إنسانية وتقدمًا(!)، مع ثبات مضمون النص(!). إن الألفاظ القديمة لا تزال حية مستعملة لكنها اكتسبت دلالات مجازية» (نقد الخطاب الديني، ص133).
فكيف يكون ثبات مضمون النص مع تغيير مضمون النص؟!
وفي النص التالي يقدح في مضمون ما سماه النص ويقدح -ويسخر كذلك- في إيمان العالم الإسلامي المتمسك به يقول: «بصورة الإله الملك بعرشه وكرسيه وصولجانه(!) ومملكته وجنوده الملائكة وما زال يتمسك بالدرجة نفسها من الحرفية بالشياطين والجن والسجلات التي تدون فيها الأعمال والأخطر من ذلك تمسكه بحرفية صور العقاب والثواب وعذاب القبر ونعيمه ومشاهد القيامة والسير على الصراط… إلى آخر ذلك كله من تصورات أسطورية» (النص، السلطة، الحقيقة، ص135)!!
موقفه من القرآن الكريم
يقول -عن القرآن- الذي يؤمن به كل المؤمنين أنه وحي سماوي، وتنزيل إلهي معجز وخالد.. يقول هذا الحداثي! -عن القرآن-: إنه نص بشري، ومنتج ثقافي.. لا قداسة له! وأن بينه وبين الشعر الجاهلي -وخاصة شعر الصعاليك- شبها كبيرا! وبنص عباراته -التي لا تحتاج إلى تعليق- يقول: “من الواقع تكون النص [القرآن]، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، فالواقع هو الذي أنتج النص..الواقع أولا، والواقع ثانيا، والواقع أخيرا.
لقد تشكل القرآن من خلال ثقافة شفاهية.. وهذه الثقافة هي الفاعل، والنص منفعل ومفعول.. فالنص القرآني في حقيقته وجوهره منتج ثقافي، والمقصود بذلك أنه تشكل في الواقع والثقافة فترة تزيد على العشرين عاما.. فهو ديالكتيك صاعد وليس ديالكتيك هابطا.. والإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنص يطمس هذه الحقيقة.. والفكر الرجعي في تيار الثقافة العربية هو الذي يحول النص من نص لغوي إلى شيء له قداسته.
والنص القرآني منظومة من مجموعة من النصوص، وهو يتشابه في تركيبته تلك مع النص الشعري، كما هو واضح من المعلقات الجاهلية مثلا، والفارق بين القرآن وبين المعلقة من هذه الزاوية المحددة يتمثل في المدى الزمني الذي استغرقه تكون النص القرآني.. فهناك عناصر تشابه بين النص القرآني ونصوص الثقافة العامة، وبينه وبين النص الشعري بصفة خاصة.. وسياق مخاطبة النساء في القرآن المغاير لسياق مخاطبة الرجال، هو انحياز منه لنصوص الصعاليك”!
“النبوة” و”الرسالة” و”الوحي”
فإنها عند هذا الماركسي: ظواهر إنسانية، وثمرة “لقوة المخيلة” الإنسانية وليس فيها إعجاز ولا مفارقة للواقع وقوانينه.. فالأنبياء مثل الشعراء والمتصوفة، مع فارق في درجة “المخيلة”، فقط لا غير.. وبنص عباراته: “إن الأنبياء والشعراء والعارفين قادرون دون غيرهم على استخدام فاعلية المخيلة في اليقظة والنوم على السواء..ومن حيث قدرة “المخيلة” وفاعليتها، فالنبي يأتي على رأس قمة الترتيب، ويليه الصوفي العارف، ثم يأتي الشاعر في نهاية الترتيب.
وتفسير النبوة اعتمادا على مفهوم “الخيال” معناه أن ذلك الانتقال من عالم البشر إلى عالم الملائكة انتقال يتم من خلال فاعلية “المخيلة” الإنسانية، التي تكون في “الأنبياء” أقوى منها عند سواهم من البشر.. إنها حالة من حالات الفاعلية الخلاقة، فالنبوة في ظل هذا التصور، لا تكون ظاهرة مفارقة.. وهذا كله يؤكد أن ظاهرة الوحي لم تكن ظاهرة مفارقة للواقع، أو تمثل وثبا وتجاوزا لقوانينه، بل كانت جزءا من مفاهيم الثقافة ونابعة من مواضعاتها”!
يتضح مما سبق
أن هذا الكاتب يحذف وينفي المضمون القرآني وهذه الحقائق القرآنية ويجعلها أسطورية!! وطبعًا لا يستسيغ ما سماه «ظاهرة الوحي» «ظاهرة النص» وفوقيته وثوابته التي نبذها، فقد أنكر هذه «الحقائق» واعتبرها «مزيفة».
إن فلسفة نصر أبو زيد تنتهج نهج الفكر الغربي في تطوير كل شيء؛ حتى عقيدة المسلمين، وعنده أن تغيير العالم لا يتم حتى ينال التطوير عقائد المسلمين التي نزل بها الروح الأمين جبريل عليه السلام وحيًا قرآنيًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- للمزيد حول فكر نصر حامد أبو زيد، انظر أعلام وأقزام في ميزان الإسلام للدكتور سيد بن الحسين العفاني 5/2-7، ونصر حامد أبو زيد.. و(الهرمنيوطيقا)..! للشيخ سليمان بن صالح الخراشي، و”قراءة في فكر التبعية”، و”قصة أبو زيد وانحسار العلمانية في جامعة القاهرة”، و”نقض كتاب نصر أبو زيد ودحض شبهاته”، و”المعاد الأخروي وشبهات العلمانيين”.
قال الشيخ سليمان الخراشي: من أفضل من رد عليه وكشف حقيقة أفكاره: الأستاذ طارق منينه في رسالته “أقطاب العلمانية في العالم العربي والإسلامي”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *