لماذا اخترنا الملف

إن من المعاني التي ينبغي أن نتأمل فيها كثيرا؛ تلك الواردة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إن العلماء ورثة الأنبياء”، مع قوله عليه الصلاة والسلام: “كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء”؛ فالحديثان مجتمعان يدلان على أن العلماء أنيطت بهم مسؤولية تربية الناس وتوجيههم إلى خيري الدنيا والآخرة، وأنه ينبغي أن يلعبوا دورا أساسيا ويشاركوا مشاركة مهمة في سياسة الناس.

ولقد كان هذا الموضوع من اهتمامات ولي أمرنا الملك محمد السادس وفقه الله الذي أكد في مناسبات عديدة على ضرورة تفعيل دور العلماء في توجيه الناس وتعليمهم أمور دينهم.
غير أن تطبيق هذا التوجيه يصطدم بعقبات كبيرة؛ على رأسها موقف أصحاب التوجهات العلمانية واللادينية الذين يعترضون على جعل العالم في منصب القيادة والتوجيه العام الشامل، ومن هنا فإنهم يسعون من خلال مناصبهم السياسية أو منابرهم الإعلامية إلى إقصاء العالم ومحاولة حصر دوره في المسجد وأنشطته، وهو ما يفسر غيابه في تدبير شؤون التعليم والإعلام والثقافة والفن والرياضة، وغيرها من القطاعات التي أراد لها أولئك أن تبقى بمنأى عن أي قيد أو تقويم أو توجيه ينبع من مشكاة الشريعة وتوصيات العلماء.
إن تدبير تلك القطاعات وغيرها يحتاج إلى أكفاء ذوي تخصصات ومهارات متعددة، ولا يمكن للعالم بالدين أن يتفرد بتدبير شؤونها؛ ومع ذلك فإن تدبيرها برشد وحسن بصيرة؛ يتوقف على توجيه العالم وحضوره الحقيقي.
وإنما عَظُمت الاختلالات في تدبير تلك القطاعات بسبب غياب التوجيه المذكور؛ فكان ذلك سببا لما نعاني منه من ضياع الأمانات؛ وهو ما يتمظهر في تجليات عديدة، كتفشي الرشوة وهيمنة المحسوبية والعمل للمصلحة الخاصة وفقدان الشعور بمستلزمات الانتماء والهوية وفساد الأخلاق وانحراف السلوك واغتصاب الحقوق والسطو على الأعراض، وغير ذلك من الكوارث التي تكبدنا خسائر مادية ومعنوية فادحة..
إن المجتمع الذي ينشد الصلاح والأمن الروحي لا يمكن أن يفلح في غياب علماء أكفاء يقومون بواجب التربية وتوجيه الأفراد والمسؤولين وحملهم على أحكام الشريعة وآدابها.
والعرب أمة لا تصلح إلا بالدين كما قال ابن خلدون؛ ولا مطمع لهم ليحققوا تنمية شاملة وإصلاحا حقيقيا وتقدما وازدهارا إلا في ظل التوجيه الشرعي الذي يذهب عنهم عبية الجاهلية ومخلفاتها المورثة للفرقة والتناحر وعبادة الشهوات.
وهذه حقيقة ما فتئ يؤكد عليها علماء المغرب الصادقون المخلصون؛ كما سمعنا وقرأنا ذلك في عشرات الكلمات والمقالات الصادرة عن الرابطة الناطقة باسمهم، منذ عهد مؤسسها وأمينها العام الأول العلامة عبد الله كنون..
ومن هنا كان فقدان العالِم ثلمة لا تسد ومصيبة فادحة ونقص يضر بأمن الفرد والمجتمع كما قال الله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} [الرعد/41].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: “خرابها بموت فقهائها وعلمائها وأهل الخير منها”، وكذا قال مجاهد أيضا: “هو موت العلماء”.
أيها القراء الكرام؛ لقد ابتلي المغاربة بفقد أحد أولئك العلماء الذين كانوا يؤدون واجبهم تجاه دينهم وأمتهم ووطنهم في خفاء المخلصين وصمت الخاشعين؛ -نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا- ذلكم هو العلامة الفقيه محمد الصمدي الذي توفاه خالقه يوم السبت 9 شوال 1431/الموافق لـ 18 شتنبر 2010.
وأداء لبعض واجب علمائنا علينا أعددنا هذا الملف تعريفا بالفقيد، راجين أن يكون في ذلك شحذا لهمم العلماء وطلبة العلم ولفتا لانتباه المغاربة إلى ضرورة العناية بعلمائهم والالتفاف حولهم تعلما واسترشادا واستفتاء.
وبالله تعالى التوفيق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *