لماذا اخترنا الملف

عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم قال: “مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل ابتنى بيوتا فأحسنها وأجملها وأكملها إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها فجعل الناس يطوفون ويعجبهم البنيان فيقولون ألا وضعت ها هنا لبنة فيتم بنيانك”. فقال محمد -صلى الله عليه وسلم-: “فكنت أنا اللبنة”.

يشير هذا الحديث إلى المقاصد النبيلة لرسالة الأنبياء؛ والتي شبهها ببناء جميل يمثل ما دعا إليه الأنبياء طيلة تاريخ البشرية من المكارم والفضائل؛ وعلى رأسها توحيد الباري عز وجل.
أجل؛ لقد بعث الله (124 ألف) نبي، و(315) رسولا كلهم دعوا بني الإنسان إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوت}[النحل/36]
وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء/25]
وقال عن نوح عليه السلام أول الرسل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف/59]
وقال عن هود عليه السلام: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُون}َ [الأعراف/65]
وقال عن صالح عليه السلام: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف/73]
في سلسلة متصلة الحلقات إلى أن انتهت الأمانة إلى خاتم الأنبياء والرسل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أكمل الله به البناء وأتم به النعمة على البشرية جمعاء.
وقد أخذت الدعوة إلى التوحيد مقام الأولوية في رسالته الشريفة وسفارته الميمونة؛ كان يطوف على النوادي والأسواق ويقول للناس: “قولوا لا إله إلا الله تفلحوا”، وكان يعد قومه بالعز والفلاح إن هم شهدوا بأنه لا إله إلا الله، وخص كل الأفراد الذين أمكنه الوصول إليهم بهذه الدعوة، وأعاد عرضها على من رفضها كما فعل مع عمه أبي طالب، ولما مكن الله له واجتمع به في الحج آلاف المسلمين قال لهم عليه السلام: “وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..”
وبيَّن أن لا إله إلا الله هي أفضل الذكر، كما بين أن من كانت آخر كلامه دخل الجنة.
وإنما خُلق القلب ليعرف هذه الكلمة ويحبها ويعمل بمقتضاها؛ فهي أساس صلاح القلب الذي هو شرط في صلاح الفرد ثم المجتمع، وكل قيم الخير وصوره -كالعدل والبر والإحسان والتكافل والرحمة- إنما تزكو وتنفع إذا كانت تحت راية التوحيد.
من هنا فإن الواجب على المسؤولين على قطاع التعليم أن يعطوا هذه المعرفة الجليلة مكانتها اللائقة بها في الرصيد المعرفي الذي يقدمونه للتلاميذ، والواجب على الجماعات الدعوية والهيئات الإسلامية الرسمية أن تجعل لهذا الموضوع الصدارة في مشروعها الدعوي، وعلى كل مسلم أن يهتم بإصلاح تصوره وسلوكه في موضوع التوحيد، ليكون أساسا راسخا وسليما يبني عليه كينونته الدنيوية ويجعله المدخل السليم إلى كينونته الأخروية.
من هنا جاء هذا الملف لإبراز موضوع التوحيد انطلاقا من نصوص القرآن والسنة وانضباطا بمنهاج سلف الأمة من الصحابة والأئمة؛ مشاركة في توعية شرعية صحيحة، وتنبيها للقارئ المغربي على أهمية الموضوع وعظيم فائدته في خضم حياة مادية تتلاطم فيها أمواج الشبهات وتجر الناس إلى أوحال مفاتن الماديات.
وبالله تعالى التوفيق.

إشارة: سنثني هذا الملف بآخر مكمل نخص به موضوع الشرك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *