من أسماء الله تعالى “الحليم”، وقد ورد ذكر هذا الاسم في القرآن في أكثر من موضع كقوله تعالى: “وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً” الأحزاب 51، وقوله جل وعلا: “وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ” البقرة 235، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعاء الكرب: “لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم” ..
المعنى اللغوي:
قال الجوهري: “الحلم بالضم ما يراه النائم، تقول منه حَلم بالفتح واحتلم، وتقول: حلَمت بكذا وحلمته أيضا.
والحِلم بالكسر الأناة، تقول منه: حلُم الرجل بالضم، وتحلّم: تكلف الحلم.
والحلم بالتحريك: أن يفسد الإهاب في الغمل ويقع فيه دود فيتثقب، تقول منه: حلِم الأديم بالكسر” .
وقال في اللسان: “ورجل حليم من قوم أحلام وحلماء، وحلُم بالضم يحلم حِلما: صار حليما.. وتحالم أي من نفسه ذلك وليس به، والحِلم نقيض السفه.. وفي الحديث: “ليلني منكم أولوا الأحلام والنهى” أي ذوو الألباب والعقول، واحدها حلم بالكسر وكأنه من الحِلم الأناة والتثبت في الأمور وذلك من شعار العقلاء” .
وجاء في القاموس المحيط: “والحلم بالكسر: الأناة والعقل، جمع أحلام وحلوم ومنه: “أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا” وهو حليم؛ جمع حلماء وأحلام وقد حلُم بالضم حِلما” .
وقال في جمهرة اللغة: “حلُم الرجل يحلُم حِلما، والحِلم -بالكسر- ضد الطيش، والرجل حليم، ..وحلم أيضا إذا أجنب وغلام حالم إذا بلغ الحُلم” .
فمن خلال هذه التعاريف اللغوية نخلص إلى أن مادة “حلم” لها معان بحسب ضبط لفظها:
– فبالضم- أي ضم اللام-: حلُم من الحِلم وهو الأناة وعدم الطيش – ويراد به كذلك العقل-، ومنه الحليم.
– وبالفتح: حلَم يحلُم حُلما- بضم الحاء-، إذا رأى حلُما فهو حالم. كذلك إذا بلغ الحلم فهو حالم.
– وبالكسر: حلِم الأديم يحلَم حَلما – بفتح اللام- إذا غمل.
و المعنى المراد الأول.
معنى الحليم في حق الله عز وجل:
قال الحليمي في معنى الحليم: “إنه الذي لا يحبس إنعامه وإفضاله عن عباده لأجل ذنوبهم، ولكنه يرزق العاصي كما يرزق المطيع، ويبقيه وهو منهمك في معاصيه كما يبقي البر التقي” .
وقال الخطابي: “الحليم هو ذو الصفح والأناة الذي لا يستفزه غضب ولا جهل جاهل ولا عصيان عاص .
وقال الزجاج: “الحليم هو الذي لا يعاجل بالعقوبة، فكل من لا يعاجل بالعقوبة سمي فيما بيننا حليما وليس قول من قال إن الحليم هو من لا يعاقب بصواب” .
وقال الغزالي: “هو الذي يشاهد معصية العصاة ويرى مخالفة الأمر ثم لا يستفزه غضب ولا يعتريه غيظ ولا يحمله على المسارعة إلى الانتقام مع غاية الاقتدار عجلة وطيش، كما قال تعالى: “وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَآبَّةٍ” .
وقال البيهقي: “الحليم هو الذي يؤخر العقوبة على مستحقيها ثم قد يعفو عنهم” .
قال إمام المفسرين ابن جرير: “حليم يعني أنه ذو أناة لا يعجل على عباده بعقوبتهم على ذنوبهم، وقال في موضع آخر: “حليما عمن أشرك وكفر به من خلقه في تركه تعجيل عذابه له” .
وقال ابن كثير عند تفسيره لقوله تعالى: “وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ”: أي يحلم ويغفر ويصفح ويتجاوز عنهم”، وقال في موضع آخر “غَفُورٌ حَلِيمٌٌ”: أن يرى عباده وهم يكفرون به ويعصونه وهو يحلم فيؤخر ويُنظر ويُؤجل ولا يعجل ويستر آخرين ويغفر” .
وقال السعدي: “الحليم: الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة مع معاصيهم وكثرة زلاتهم، فيحلُم عن مقابلة العاصين بعصيانهم ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا” .
يقول ابن القيم في نونيته: وهو الحليم فلا يعاجل عبده بعقوبة ليتوب من عصيان.
قال شارح النونية: “الحليم الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة، رجاء أن يتوبوا، ولو شاء لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم، فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم..” .
وأما آثار اسم الله “الحليم” فنرجئ الكلام عنها إلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
ناصر عبد الغفور.