نص:
وبعضهـــم بسمــــل عن ضـــرورة في الأربـــع المعلومـــة المشــــهورة
هذا البيت يخص الذين لا يبسملون بين السورتين بل قيل إنه يخص الذين يسكتون بينهما فكأنه يقول اقرأ بالبسملة في هذه المواضع ولو لم يكن من مذهبك البسملة بين السور سواء لورش أو لغيره.
فقوله: (وبعضهم بسمل عن ضرورة) معناه: وبعض الشيوخ المتقدمين المصنفين للقراءة.
وليس المراد بذلك القراء ولا رواتهم ولا من دونهم من الناقلين عنهم لأن البسملة في هذه المواضع ليست رواية وإنما هي مجرد استحسان واختيار.
قال الإمام الداني رحمه الله: وكان بعض شيوخنا يفصل في مذهب هؤلاء بالتسمية بين المدثر والقيامة، والانفطار والمطففين، والفجر والبلد، والعصر والهمزة، ويسكت بينهن سكتة في مذهب حمزة وليس في ذلك أثر يروى عنهم وإنما هو استحباب من الشيوخ. (التيسير للداني ص:18).
وإلى هذا أشار الشاطبي رحمه الله بقوله :
وسكتهم المختار دون تنــــــفس وبعضهم في الأربع الزهر بسملا
لهم دون نص وهو فيهن ساكت لحمزة فافهمه وليس مخـــــــــذلا
وأما ما جاء عن الحصري من أنها رواية في قوله:
وحجتهم فيهن عندي ضعيفة ولكن يقوون الرواية بالنصر
فقد اعترض عليه في ذلك.
قلت: وفي بعض المغاربة المتأخرين من يعتقد أنها رواية منهم أبو عبد الله القيسي.
قال يعقوب الحلفاوي :وقد أوردت هذه المسألة بين يدي شيخنا القيسي فتبسم وقال : من حفظ حجة على من لم يحفظ فقلت : يا سيدي وهل هناك من العلماء من يقول إنها رواية فقال: نعم؛ رواها أبو عمرو في جامعه ونقلها أبو العاص في كشفه.اهـ (الفجر الساطع 1/390).
قلت وما نقله أبو عبد الله القيسي عن الداني من أنها رواية فهو غلط على الإمام الداني، وإليك نص الداني من كتابه جامع البيان:
قال رحمه الله : وقد كان بعض شيوخنا (….) أبي عمرو وابن عامر وورش عن نافع من طريق الأزرق بين أربع سور بين المدثر والقيامة وبين الانفطار والمطففين وبين الفجر والبلد وبين العصر والهمزة ويسكت بينهن سكتة من غير فصل في مذهب حمزة وليس ذلك عن أثر يروى عنهم وإنما هو استحباب واختيار من أهل الأداء.. اهـ (جامع البيان ص 119 من الطبعة الحجرية).
ويكفي لإبطاله تنصيص الداني نفسه على أنها اختيار واستحباب وليست رواية وإنما رواها عن شيخيه لا عن إمام القراءة ومعنى الرواية أن تروى عن إمام من أئمة القراءة.
ومراد الناظم بالبعض في قوله (وبعضهم بسمل..): ابن غلبون وخلف بن إبراهيم بن خاقان شيخا الإمام الداني.
قال الإمام الداني رحمه الله: اختلف علينا شيوخنا فيهن فقرأت على ابن خاقان وابن غلبون بالتسمية وقرأت على أبي الفتح بترك التسمية وحكوها عن غيرهم. (كنز المعاني للجعبري الورقة 48/أ مخطوط بخزانة ابن يوسف بمراكش تحت رقم 55).
وقال في التمهيد :وأنا آخذ بالمذهبين جميعا فإن فصل علي أحد بينهن لم أمنعه من الفصل وإن لم يفصل لم آمره بالفصل لعدم وجود ذلك منصوصا في كتاب أحد من الناقلين عن ورش. اهـ. (شرح الدرر اللوامع للمنتوري اللوحة 133/أ).
قوله: (بسمل عن ضرورة) أي قرأ بالبسملة (عن ضرورة) أي: لأجل الضرورة.
فهذا تعليل من يقول بالبسملة في هذه المواضع وهو حصول الضرورة بقبح اللفظ.
قوله: (في الأربع) أي في مطلع أربع سور (المعلومة المشهورة) أي المعروفة والظاهرة عند من يشتغل بالقراءة.
وهذه المواضع هي: ما بين المدثر والقيامة، وبين الانفطار والمطففين، وبين الفجر والبلد، وبين العصر والهمزة.
وزاد بعضهم موضعا خامسا وهو ما بين سورة القدر والبينة.
وأشار إليها ابن القاضي ناظما:
وزاد بعضهم ما بين القدر ولم يكن أضافها للزهر
(الفجر الساطع 1/391).
إلى هنا انتهت حلقة هذا العدد والله تعالى أعلى وأعلم.