لماذا هذا الهلع المرضي من الإسلام؟
إن من أسباب هذا المرض، هو أنه في مخيال الساسة الغربيين خصوصا، يقترن صعود نجم الحضارة الإسلامية بأفول نظيرتها الغربية، اعتمادا على استقراء التاريخ، الذي يؤكد هذه المعادلة، بدليل أن أول لقاء عسكري بين الغرب متمثلا في الروم، وبين الإسلام متمثلا في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، كانت الغلبة فيه لهؤلاء الأخيرين، مقابل بداية ضعف الحضارة الغربية، لتغرق في عصر الظلمات.
ومما يؤكد هذه المعادلة/النظرية هو أنه لما “زحف عبد الرحمن الغافقي في شهر شعبان سنة 114 للهجرة، بجيشه اللجب على مدينة بُوَاتْييه ..للقاء جيوش أوروبا الجرَّارَة بقيادة شارل مارتل”، اهتزَّت أوروبا من أقصاها إلى أقصاها لِسُقُوط نصف فرنسا الجنوبي كله في يدي عبد الرحمن الغافقي خلال بضعة أشهر.. و”فتح الفرنجة أعينهم على الخطر الداهم. ودبَّ الصريخ في كل مكان يدعو العجزة والقادرين إلى الوقوف في وجه هذا الهوْل القادم من الشَّرق. ويَحُضُّهُمْ على التَّصَدِّي له بالصدور إذا عزَّت السيوف، ويدعوهم إلى سدِّ الطريق أمامه بالأجساد إذا انعدم العَــتَاد.. فاستجابت أوروبا لدعوة الدَّاعي.. وأقبل الناس على الانضواء تحت لواء “شارل مارتل” ومعهم الشَّجر، والحَجَر، والشَّوك، والسِّلاح”.
لماذا كل هذا الهلع؟
لأنهم يعلمون علم اليقين، أن انتصار المسلمين في الحرب، لا يقتصر على ذلك، بل يعني نهاية الحضارة المسيحية من على وجه أوربا، لو قدر الله وانتصر المسلمون في معركة بلاط الشهداء.
وعلى الرغم من هذا الهلع، فقد استطاع الإسلام أن ينتزع اعتراف بعض المنصفين أمثال: “هنري دي شامبون” مديرِ مَجلةِ “ريفي بارلمِنْتِير” الفَرَنْسِية الذي قال:
لولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجيِّ على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى ولَمَــا أصيبت بفظائعها.. ولا كابدت المذابحَ الأهلية التي دفع إليها التعصُّبُ الديني المذهبي..
نعم؛ لولا ذلك الانتصار الوحشيُّ على المسلمين في (بواتييه) لظلَّت إِسبانيا تنعم بسماحة الإسلام. ولَـنَــجتْ من وصمة محاكم التفتيش. ولما تأخر سيرُ المدنية ثمانيةَ قرونٍ. ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك. فنحن مَدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة. مدعُوُّون لأن نعترف بأنهم كانوا مثالَ الكمال البشري. في الوقت الذي كنا فيه مثالَ الهمَجية” .
أما بالنسبة لعامة الغرب فَيُعَدُّ الجهل بالإسلام وتعاليمه وأخلاقياته، فضلا عن تشويه صورته، السبب الرئيس للخوف منه، مادام أنه من الطبيعي أن الإنسان عدو لما يجهل .ولا أدل على ذلك من الأفواج الداخلة إلى الإسلام. كما أكد على ذلك الداعية الإسلامي والملاكم الألماني السابق بيير فوجل، حيث اعتبر أن الغرب ليس كله معاد للإسلام، بقدر ما هو مغيب عن الحقيقة. وبحاجة إلى من يكشفها هناك ناصعة. كما أكد على أن أي شخص يبذل جهدا مخلصا من أجل البحث عن الدين الحقيقي، بعيدا عن العاطفة، فإن بحثه لن يوصله إلا إلى الإسلام، لأنه هو الدين الصحيح الذي ارتضاه الله لعباده وهدى إليه من شاء منه.
وعن تجربته الشخصية، أشار إلى أنه كان يظن أن الإسلام دين العرب الخاص بهم، والنصرانية دين الغرب !
ومن الأسباب التي تدعو أيضا إلى التخويف من الإسلام، هو الخلط بينه وبين الواقع الذي يعيشه غالب المسلمين، فهناك دول إسلامية عديدة قد اجتاحها شبح المجاعات، وافترس وحش الجوع مئات الآلاف من أبنائها؛ بل إن هناك أكثر من نصف مليار مسلم يعيشون تحت خط الفقر؛ وذلك بسبب انتشار الفساد، وسوء الإدارة، واختلال العدالة في توزيع الموارد والثروات، أي بسبب عدم تطبيق الإسلام، وليس العكس كما يحلو للمرجفين أن يروجوا.
وعلى الرغم من أن تلك الأخلاقيات مرتبطة بالممارسات التي ينتهجها من يحسبون على الإسلام، إلا أنها في نظر الغرب وأزلامه، أصبحت تهمة في حق الإسلام نفسه كدين.
ومن نتائج هذه النظرة، التخويف من الإسلام، الذي يمثل بالنسبة للمسلمين في الغرب تهديدًا خطيرًا، وإنكارًا للحقوق المتساوية في مدارسهم، وارتفاعًا في نسبة البطالة، والتمييز على أسس دينية وعنصرية، والمضايقات والعنف، والقيود على الحرية الشخصية، لا لجريرة اقترفوها؛ سوى أنهم مسلمون.
ووصل الأمر بسبب فرية التخويف والتخوف من الإسلام هذه، إلى التحريض وإثارة الأحقاد الدينية، والذي يمكن أن يشمل إهانة وتدنيس المقدسات الإسلامية، وانتهاك الحرمات الدينية، والتي تمثلت في أقصى وأفظع صورها لما تم انتهاك حرمة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، حسدًا من عند أنفسهم.
ومع كل هذا الظلام، هناك مساحة مضيئة تثلج صدر كل مؤمن، تتمثل في أفواج الداخلين للإسلام؛ حيث تقول الإحصائيات الرسمية التابعة لألمانيا أنه خلال عام 2006 و2007 و 2008 يدخل مسلم جديد إلى الإسلام في كل ساعتين؛ بمعنى أنه خلال السنة الكاملة يدخل أكثر من 4000 شخصًا إلى هذا الدين العظيم. ونفس الأمر ينطبق على عموم أوربا الغربية وأمريكا وروسيا.
إلا أن العجيب الغريب، هو أن الكفار الغربيين يدخلون الإسلام أفواجا، ويصبحون دعاة إليه منافحين عنه، وبنو جلدتنا من بني علمان يزدادون تجرؤا على تعاليمه، ويراكمون حقدهم وضغينتهم على كل ما هو إسلامي، ولسان حالهم يقول: إن القضاء على الهلع المرضي من الإسلام الذي أصيبوا به هم أنفسهم، بعدوى من أسيادهم، هو بالتخلي عن تعاليمه..
وهيهات أن يحلموا بذاك اليوم، وليسألوا الطاغية، الذي فر كالجرذان، عن سياسة تجفيف المنابع، هل حققت أهدافها؟ بعد مضي أكثر من عشرين سنة على تطبيقها بالقمع والتنكيل، والحديد والنار!
وعلى الرغم من تزايد مظاهر التخويف من الإسلام في أوربا، المتمثلة في حربهم على المساجد وتنصتهم عليها، ومنع فرنسا للمسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس، وحظر النقاب في الأماكن العامة، وقوانين حظر المآذن في سويسرا، ومحاولة منع الطعام الحلال في بعض الدول، فإن الإسلام ماض.. والكلاب تنبح.
أقول: على الرغم من هذه الحرب الثقافية التي ما عرفتها الإنسانية على دين؛ إلا على دين المسلمين، فإنهم بفضل الله، في تزايد مستمر، لأن الإحصائيات تذكر أن تعداد المسلمين في العالم قد بلغ 1.56 مليار مسلم، وهو ما يمثل 20% من سكان العالم.. وهناك توقعات لأستاذ الجغرافيا الاجتماعية بجامعة إكسفورد “سيري بيتش” بتضاعف عدد المسلمين بحلول عام 2015، بينما سينخفض عدد غير المسلمين بنسبة 3 و5%.
وهو ما دفع المونسنيور “فيتوريو فورمينتي” في مارس 2008 إلى القول إن: “عدد المسلمين فاق عدد الكاثوليك، ليصير أتباع الإسلام الأكثر في العالم.. للمرة الأولى في التاريخ.. لم نعد في القمة”.
أدعو الله العلي القدير: أن يتعظ بنو علمان وبنو حداثة من بني جلدتنا، وأن يؤوبوا إلى رشدهم، وأن يعودوا إلى هويتهم، لأن التاريخ لن يرحمهم، ورب التاريخ ليس غافلا عنهم.