كلما أثار طابور الإفساد من العلمانيين بالمغرب قضية تتعلق بدين المغاربة وقيمهم، مطالبين بإباحتها إن كانت رذيلة، أو منعها إن كانت فضيلة، وجدوا مقابل ذلك ممانعة واستهجانا واستنكارا من طرف أفراد المجتمع المغربي المسلم، فيشتد بذلك حنقهم، وتثور ثائرتهم، وتنكشف سوءاتهم، وتفضح سرائرهم المفعمة بالتسلط والاستبداد والتحكم والتعالي على الشعب واحتقاره، مع رفض أي رأي إلا الرأي العلماني الفاسد؛ رغم ما تبديه ألسنتهم من ادعاء لعكس هذه الصفات القبيحة وإن الزمن لفضاح.
وعليه فإنه كلما ظنوا أن المغاربة تطبعوا مع الفاحشة إلا وصدموهم بقوة الرفض فطاشت عقولهم فاتهموهم بالنفاق.
والنفاق هو أقبح صفة يتصف بها الإنسان، والمنافق لا يثبت على مبدأ، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.
وإذا كان المغاربة في نظر العلمانيين منافقين بدعوى أنهم يلعنون في العلن ما يمارسونه في الخفاء، وأن أفعالهم لا تتوافق مع تصريحاتهم، فإنهم يجهلون أن الشرع يفرق بين الممارسة والاعتقاد، وبين المجاهرة والتستر.
والشعب المغربي بأصل الإيمان الذي وقر في القلب بدرجات متفاوتة، رغم أنه متلبس بأنواع من المعاصي يدفعه إيمانه إلى التستر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام من حديث ابن عمر: “اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألم بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله. فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله” صحيح الجامع.
ويحجزه إيمانه عن المجاهرة لعلمه أن المجاهر بعيد عن التوبة والمغفرة لما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ: يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ”.
هذه هي المعادلة التي لا يعلمها بنو علمان، فيطلقون التهمة دون استحياء ولا اكتراث، فيريدون منا أن نكون متطبعين مع الفواحش قلبا وقالبا، ممارسة واعتقادا، حتى نبرأ من صفة النفاق كما يزعمون، وحتى لا يأتي اليوم الذي نعلن فيه توبتنا إلى الله؛ توبة نصوحا تغيظهم وتزرع الهم والغم في قلوبهم، وهو ما لا يتمنوه، بعد ما أوصلوا المجتمعات الإسلامية إلى حافة الإفلاس الأخلاقي على مستوى الفعل.
ويريدونها اعتقادا وهو ما لا يمكن أن يحصل منه شيء ما دامت سنة المدافعة ماضية، فالشعب المغربي إنما وقع في حبال المعاصي وشراكها التي نصبها بنو علمان من المفسدين في كل مكان وزاوية.
ومن الطبيعي أن المسلم إذا وقع في زلة أو ارتكب ذنبا فإن نفسه تلومه، فيلعن المعصية ومن كان له سببا فيها، وإذا سألته هل ترضى ارتكاب المعاصي فإنه يجيب بالرفض طبعا، لأنه في لحظة استحضار الإيمان، لكنه قد يرتكبها في لحظة ضعف كما قال عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن”.
وفي بيان معنى هذا الحديث وكيف لا يكون مؤمنا حال ارتكابه للمعصية ورد الحديث عن أبي هريرة عند الترمذي وغيره وصححه الألباني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إذا زنى العبد خرج منه الإيمان وكان كالظلة، فإذا انقلع منها رجع إليه الإيمان”. فلو كان للعلمانيين شيء من العلم والفقه في دين الله لما كانت لهم تلك الجرأة في اتهام المسلمين بالنفاق.
التهمة بالنفاق جريمة علمانية مسكوت عنها، ولم تثر أي ضجيج لأن القوم محميون مآزرون من قوى الشر، أما لو قالها الإسلاميون فتلك فرصة العمر؛ وعندها تنقض الشهب العلمانية على المواقف والتصريحات الإسلامية، فيملؤون الدنيا صراخا وعويلا، ويمارسون هواية التأليب والتحريش، والمطالبة بالقمع والمنع والحبس والتحقيق، وهلم جرا من معاني التسامح والقبول والتعددية (عفوا…)، وكل مقامات المعزوفة العلمانية التي ينكشف عوارها وشناعة طربها في مثل هذه المواقف، ومن تم تسمع الاتهامات الجزافية من قبيل؛ الإسلاميون تكفيريون وإقصائيون ويتحملون المسئولية المادية والمعنوية في إباحة القتل وانتهاك حقوق الإنسان، وتشتعل نار الحقد والكراهية على صفحات الجرائد والمجلات والمواقع وشبكات التواصل الاجتماعي… فلا يطفؤها إلا قدر الله، ثم تعقل بعض المسؤولين، ولا يبق من مساحة للإسلاميين لقوة الهجوم وإغلاق المنافذ حتى ولو لتقديم اعتذار عن ذنب لم يقترفوه، أو قول لم يقولوه، أو فهم لم يقصدوه..
لكن لسان العلمانيين طويل (وما عليه حكام) يصفون المجتمع بالنفاق، ويتهمون الإسلاميين بالتكفير، يدعون إلى قمعهم ويتهمونهم بالإقصاء، يدعون إلى إسكاتهم ويتهمونهم بعدم قبول التعددية الفكرية..
أرأيتم نفاق حقيقيا صادقا مثل هذا؟!
ينتسبون إلى الإسلام ويحاربونه ويؤلبون عليه..
ويحتقرون شعائره ويزدرون تعاليمه..
وينتقصون من أتباعه ومعتنقيه، في الوقت الذي يمدحون فيه كل المذاهب والعقائد المنحرفة والشاذة والباطلة..
يمارسون ذلك اعتقادا وإيمانا، ثم يتهمون المجتمع بالنفاق والازدواجية، بكل جرأة لعلمهم أن الغلبة اليوم لأهل الباطل، وحين تدور الدائرة تدور معها أفكارهم وآراؤهم.
لئن كان في المجتمع نفاق فهو نتاج سنوات من الإفساد، تسلط فيها بنو علمان على رقاب العباد، حتى جعلوهم بين مطرقة الإغراء والغواية وسندان الإيمان والشعور بالتفريط في جنب الله، فهم بين ذنب وتوبة حتى يلقوا ربهم العزيز الغفار.
أما النفاق فلو تجلى رجلا فلن يكون غير بني علمان، ولنا معهم في هذا فصل المقال في غير هذا المقال. ودام الشعب المغربي مسلما معتزا بدينه، عليه يحيا وعليه يموت وعليه يلقى الله.