عظمة الإسلام بين إقرار الحياء و تطاول أهل التصدية والمكاء عبد المغيث موحد

إن الاستعمار الأفاك لم يعرف عنه يوما وهو يعاملنا إلا أعمال النهب ومظاهر الاجتراء والافتراء، فحتى وهو يغادر جغرافيتنا لم ينس أن ينفث فينا مدنيته علمانية السيرة والسلوك، وأن يوصي أبناءه بالتبني للعمل على قطع رحم ذلك الزاد الروحي وتوهين عروة الدين من خلال وأد حاضره وإظلام غده، والمنصف، وهو يتفرس في صفحات تاريخهم معنا، لا يكاد يرى إجمالا إلا شرا زاحفا ووعيدا قاصفا ومساءة ما وراءها مساءة.. بريق مظاهر دنيئة، وتهارش على اجتثاث أصولنا العميقة، وافتراس أعراضنا على أفرشة المدنيات الوافدة علينا عنوة من بلاد الصقيع.

أما وصايا الغرب فجعلها مواليه وأهل تركته بنو علمان دينا واجبا ونصيبا مفروضا، سنتهم فيه التعجيل بقضائه بعد طمر مشروع السماء، وانفضاض مجالس العزاء والمكاء، وهذا عندهم واقع ما له من دافع، وهو حقيقة يتحركون بها صوب هدفهم المنشود، تحت أغلفة وسواتر ماكرة ظاهرها سراب، وباطنها عذاب.
كل هذا وأهل الحق غافلون في سباتهم عن الذود عن حياض ما ينفع الناس، تاركون خنادق المواجهة لأسباط الرويبضة المنتسبين لهذا الدين العظيم، المتسللين إلى محاربه لواذا، يبغونها عوجا ويرون أن الدين لب وقشور، فيرون فيما يسمونه ضجة الحجاب ورجة الاختلاط والخلوة والقبلة صغيرة من الصغائر التي يمحوها الوِرد المورود، وتكفرها صدقة الابتسامة في وجه ذوي النيات الحسنة، وهم قد يتغيبون عن منابر الصدع بالحق إذا تعلق الأمر بإباحة الفاحشة والإعلان بها على صفحات الورق المقبوح وصحف المداد المسفوح، لكنهم بالمقابل يفتحون باب الاجتهاد ونوافذ الاستنباط والسبر ليضعوا أغلال الجهل المركب وقيود الإخلاد إلى الهوى على شريعة التعدد وشعيرة الحجاب، ويتساءلون بخبث طوية وسوء نية عن سبب هذا التعصب الكالم والتعاطي الجارح لموضوع أقل ما يقال في حقه أنه من جنس اللمم ومن جنس المواريث الشائنة التي ما فتئ يدندن حولها وبإفراط عصبة من الذين حادوا عن جادة الاعتدال و الوسطية.
إن الذين معرت الغيرة وجوههم صاروا أهل تعصب وإفراط خريجي مرافق ظلامية.
والغيرة على حجاب المسلمة أمست ضجة على صغيرة صغيرة، وإن جعل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم الكاسيات العاريات من أهل النار بل حرمهن العدلُ الكريم حتى من شم ريح الجنة.
ونحن نسأل الذين على فترة من الزمن لاحت لهم حقيقة أن من معالم التحضر أن تكون النساء شقائق الرجال، هل هذه الحقيقة هي آصرة من أواصر ديننا الحنيف؟ أم هي بدعة حداثية خرجت من رحم المدنية المعاصرة؟ تلك المدنية التي لا تأبه لحلال، ولا تلتفت لحرام، مدنية رفعت عقيرة التصدي لكل فطرة سوية، وصبغة نقية، وفتحت أبواب كل مقذور للتنفيس عن دناءتها، وتصريف ما تميل إليه الغرائز المريضة بكل متاح ومشاع ولو جاء ذلك على حساب الفضيلة والعفاف.
إن شريعة السماء أغنى من أن تنال من نورها مزايدة ينفخ في بؤرة موقدها النافخون، فهي شريعة محفوظة كل الحفظ من أن تهوى إلى الحضيض، أو تتأثر بخرافات الجاهلية الأولى، والأحكام الفاسدة التي تسللت إلينا من تقليد الصليبية، ومحاكاة الوثنية القديمة، التي يسعى اليوم الذين أخذوها عن شياطين الإنس والجن بسند متصل أن يجعلوا لها -باسم الدين تارة وعلى حسابه تارة أخرى- المكانة السامقة السنية.
إن غرضهم من ذلك واحد هو التصدي لكل دعوة شريفة تسعى إلى أن يحكم الإيمان قضية الأسرة وقضايا الشارع العام، غرضهم إغراق المجتمع باسم الحداثة والتحضر الزائف في مستنقع الإباحية والانحلال الخلقي، الذي لا يقيم لشرع الله وزنا، فما أكثر الأسفار والروايات والأفلام والسمفونيات الغنائية الناضحة برفضها القطعي لمظاهر ما يطيب لهم تسميته الكبت الموقوت والطوق الديني الدائم، الذي يجثم على النفوس التواقة إلى عالم الحرية، حيث التحلية والتجلية والتخلية، وعلى فرض أن ما يسعون إليه هو الصواب ندعوهم إلى تفرس استشرافي يخلصون من خلاله إلى إحصاء المزايا وتقنين الفوائد حتى يتسنى للناس التمييز بين الحق ومجرد الادعاء، فهم مثلا يرون التقدم ومسايرة الركب هو في خروج المرأة إلى الشارع، وولوجها ميادين الكدح سافرة متبرجة أحبولة شيطان تمارس حريتها بدون قيد ولا شرط، تخالط مخالطة إسفاف وتبذل وإثارة وتجمل، بينما الإسلام يرى أنه لا ضير في خروج المرأة إلى حقل العمل لكنه يشترط أول ما يشترط خلق المناخ الشرعي الذي يصون عرضها النفيس من كل عدوان خسيس، كما أن الإسلام ليس ضد أن تتمتع المرأة باللباس الحسن الجميل، لكن ثمة فرق بين التجمل والإثارة وبين الاحتشام والتفسخ، لهذا فرض الحجاب.
وإسلامنا العظيم يرى قبل هذا وذاك أن في هذا الخروج زعزعة لركن من أركان صرحه المرصوص إن في هذا الخروج إخلالا بميزان الأسرة وسببا في إيجاد جيل مستنسخ لا يقوى على مواجهة متطلبات نفسه ووطنه، وهذا ولا شك شرخ يهدد حياة الأمة في الصميم، ولا غرابة فإن لكل أمانة حملة ثقات وهناك أمانة لا تطيق حملها إلا المرأة الصالحة، إنها أمانة تبعل الرجل وكفالة رعيل المستقبل وإقامة جو أسري حافل بالعطاء، مغمور بالسعادة الدينية والدنيوية رافع من معنويات وأدبيات طلائع الخير من جيل التمكين الذي فقدناه بفقدنا لتلك الأرحام التي كان من نتاجها في يوم من الأيام أسلاف أطهار فتح الله على أيديهم مشارق الأرض ومغاربها، جيل تربى ونشأ في مجتمع أرسى بناءه صاحب الرسالة العصماء التي أضاء الله بنورها زوايا الأرض.
فيا للحسرة أن يتطاول جيل الخلف المستنسخ فينعت من على منابره الخاوية على عروشها تلك التركة المباركة بالظلامية والرجعية والجهالة، ونحن لا نملك أمام كل هذا وذلك التجاسر السافر إلا أن نطمئنكِ أخية الدين أن دينك عصمة أمرك وأن حجابك وثوب عفافك أقوى من أن ينال منه فيلم “حجاب الحب” وسمعتك أيها العفيفة، أمًا كنت أوأختا أو خالة أو زوجة أو ابنة، لن تنال منها سفاهات الأفاكين المدلسين، فحجابك حق من جنس ما ينفع الناس، وكيدهم زبد يغني بطلانه عن إبطاله وليس هذا ادعاء بل هو وعد حاسم وتقرير رباني حاكم مصداقا لقوله تعالى: ” كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ”الرعد17.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *