إن خصوم الحق يسلكون في مواجهته ودفعه مسالك متنوعة؛ من أخطرها: إثارة الشبهات حوله، ليلتبس على الناس ويختلط، ويصير شبيها بنقيضه الذي هو: الباطل.
قال الله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران: 71]
وقال سبحانه: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42]
فالمستفيدون من الباطل حريصون على كتم الحق وإخفائه؛ لأن ظهوره يهدد مصالحهم.
فإذا ظهر الحق وخرج إلى علم الناس؛ فإنهم يثيرون في وجهه الشبه ليختلط بالباطل وتلتبس صورته في إدراك العقل.
والشبهة: الالتباس، “وشبه عليه الأمر تشبيها ألبس عليه وخلط”. (تاج العروس (9/393).
“وتقول: شبّهت علي يا فلان، إذا خلط عليك، واشتبه الأمر إذا اختلط”. (لسان العرب (1/951).
“وأصل الشبه -بفتحتين- من المعادن ما يشبه الذهب في لونه. (المصباح المنير (ص: 303).
“وفي المحكم: هو النحاس يصبغ فيصفر”.
وفي التهذيب: “ضرب من النحاس يلقى عليه دواء فيصفر”.
قال ابن سيده: “تَسمى به؛ لأنه إذا فُعل به ذلك أشبه الذهب بلونه”. (تاج العروس (9/393).
قال الإمام أبو جعفر الطبري رحمه الله في تفسير آية سورة البقرة السابقة: “يعني بقوله: “وَلَا تَلْبِسُوا” لا تخلطوا، واللَّبس هو الخلط، يقال منه: لبّستُ عليهم الأمر أُلبِسه لبساً إذا خلّطته عليهم”[1].
ولئن كان للباطل صولة فإن للحق صولات وجولات؛ وهذه الشبهات إذا كُشفت حقيقتها وتم تفكيك عناصر اللبس المشكلة لها؛ ظهر أنها أشبه ما يكون ببيت العنكبوت؛ ولم يصمد باطلها في وجه الحق:
قال الله تعالى: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]
حُجَجٌ تَهَافَتُ كَالزُّجَاجِ تَخَالُهَا … حَـقًّا وَكُلٌّ كَاسِرٌ مَكْسُورُ
فهذه الشبهات كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: “إن الحجة العقلية التي يَحْتَجُّ بها أهل الضلال يُحْتَجُّ بها على نقيض مطلوبهم، كما أن الحجج السمعية التي يحتجون بها حالها كذلك”([2]).
ومثال ذلك: ما قام به أعداء الإيمان والوحي الإلهي من محاولة إظهار الدين والوحي على أنهما يتنافيان مع حجج العقل ومخرجات العلم؛ لكن سرعان ما انقلبت حججهم عليهم وشهدت بصحة الحقائق الدينية والإيمانية.
———————————–
[1] جامع البيان عن تأويل آي القرآن (1/362).