الفرق الضالة امتداد للأمم الهالكة

إن تشبه الفرق الضالة بالأمم الهالكة واتباعها لها هو الحق، فقد ذكر المحققون من أهل السنة وغيرهم، أن كثيراً من الفرق والأهواء والبدع التي ظهرت بين المسلمين، وخرجت عن السنة والجماعة، إنما هي امتداد للفرق والديانات الضالة القديمة التي كانت قبل الإسلام وبعده .
وهذه حقيقة قطعية ذكرها الله تعالى وأخبر عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (التوبة:69).
فقد ذكر العلماء أن قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا} في بيان أن هذه الأمة ستكون منها طوائف تخوض في الشبهات والبدع كما خاض الأولون من قبلهم من ضُلاّل الأمم1 ، وقال سبحانه: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} (هود:118-119)، فالناجون من الاختلاف هم الذين استثناهم الله تعالى، والأكثرون على الفرقة والخلاف، وقال سبحانه: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ} (آل عمران:106).
2قال ابن عباس رضي الله عنه يوم تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسودّ وجوه أهل البدعة والفرقة .
وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام:159) فالله تعالى إنما برأ رسوله صلى الله عليه وسلم من أمر لابد حاصل وقد وقع وإلا لكان مما لا فائدة في ذكره.. تعالى الله عن ذلك.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طوائف من هذه الأمة ستتبع سنن الأمم الضالة السابقة فقال صلى الله عليه وسلم: (لتتبعن سنن من كان 3قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً ذراعا حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال فمن؟) .
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك؟)4 ، وقال صلى الله عليه وسلم: ( ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل…)5 الحديث.
كما أن تلقي الفرق الضالة، المفارقة للسنة والجماعة عن الأمم والنحل والملل الأخرى حاصل بخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بهذه النصوص القاطعة، كذلك هو معلوم بالاستقراء والتتبع، وبمقارنة العقائد والمقالات، فكثير من أصول الشيعة الرافضة امتداد لمقالات الفرس المجوس.
وأصول القدرية النفاة هي امتداد لمذاهب المجوس وبعض الصابئة وبعض فرق النصارى كذلك.
وأصول الجهمية امتداد لمذاهب الفلاسفة وغيرهم.
والمرجئة امتداد لمذاهب ومقالات كانت لبعض النصارى، والصابئة وبعض الديانات الهندية وغيرها.
والباطنية امتداد للزنادقة والملاحدة والفلاسفة في سائر الأمم الهالكة.
والصوفية امتداد للديانات الهندية ولكثير من الديانات والمذاهب والفرق في الأمم الهالكة.
وهكذا كثير من الفرق نجد أنها إما أن تكون امتداداً مباشراً للديانات والفرق القائمة في الأمم الهالكة أو تأثرت بها، وهذا أمر مستفيض عند كُتَّاب المقالات والباحثين وأصحاب هذه المذاهب نفسها، كيف لا وقد أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، لكن أهل الأهواء يكابرون ولا يفقهون.
وكما ثبت بالنص والواقع المشهود والاستقراء الكامل أن أهل الأهواء والبدع والافتراق امتداد -كلياً أو جزئياً- للملل والنحل الباطلة، فكذلك ثبت بالنصوص القاطعة والواقع الملموس المشهود، والاستقراء الكامل: أنه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة: (لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم، ولا من عاداهم إلى قيام الساعة)، وهم السلف الصالح أهل السنة والجماعة. كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم. (حراسة العقيدة؛ د.ناصر العقل).
———————-
1- راجع تفسير ابن كثير ، وابن جرير ، والشوكاني عند تفسير هذه الآية ، وراجع اقتضاء الصراط المستقيم (1/114-118) .
2- تفسير ابن كثير عند تفسير الآية 106 آل عمران
3- رواه البخاري 7320 ومسلم 2669.
4- رواه البخاري 7319.
5- الترمذي 1/26 والحاكم 1/128-129.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *