ميزان الولاية الحقة السير وفق الكتاب والسنة أولياء الله لا يوزنون بحال ولا كشف ولا خارق

بين الله تعالى في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم أن لله أولياء من الناس, وللشيطان أولياء.

قال تعالى: “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ, الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ”, وقال تعالى: “إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ”.
وإذا عرف هذا فيجب التفريق بينهما حتى لا يلتبس على الناس أهل الحق من أهل الباطل, وحتى يُعلم أهل الولاية الحقة من الباطلة.
فنقول:
الولي في اللغة: مأخوذ من الولْي بسكون اللام, وهو القرب والدنو, ومنه “كُلْ ممَّا يليك”.
ويقال: تباعد بعد ولي (أي قرب).
والولي فعيل إما بمعنى فاعل: لأنه والى الله تعالى بالطاعة والتقوى.
وإما بمعنى مفعول: لأن الله والاه بالحفظ ومزيد الإمداد ولم يكله إلى نفسه.
أما شرعا: فالولاية على معنيين: عامة وخاصة.
فأما العامة: فهي لكل مؤمن كما قال تعالى: “اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ”.
أما الخاصة: فهي للمؤمن المواظب على فعل الطاعات واجتناب المنهيات, والمعرض عن الانهماك في اللذات وهو الولي الكامل المذكور في قوله تعالى: “أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ”.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: “فلا يكون وليا لله إلا من آمن به وبما جاء به واتبعه باطنا وظاهرا”.
وقال ابن حجر في الفتح: “المراد بولي الله: العالم بالله تعالى, المواظب على طاعته المخلص في عبادته”.
والولاية على درجتين:
أولاهما: التقرب إلى الله تعالى بالفرائض.
ثانيهما: التقرب إليه بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات والانكفاف عن المكروهات، ودليل ذلك حديث الولاية المشهور الذي قال عنه شيخ الإسلام رحمه الله: “هذا حديث شريف روي في صفة الأولياء” الفتاوي 18/129, وقال كذلك عنه لما ذكره في الفرقان ص:50: “فهذا أصح حديث يروى في الأولياء” وهو من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به, وبصره الذي يبصر به, ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولإن سألني لأعطينه ولإن استعاذني لأعيذنه” رواه البخاري.
يقول الإمام ابن دقيق العيد رحمه الله في معنى قوله في هذا الحديث: “(فإذا أحببته كنت سمعه) إلى آخره: فهذه علامة ولايته لمن يكن الله قد أحبه ومعنى ذلك أنه لا يسمع ما لم يأذن الشرع له بسماعه, ولا يبصر ما لم يأذن الشرع له بإبصراه، ولا يمد يده إلى شيء ما لم يأذن الشرع له في مدها إليه، ولا يسعى برجل إلا فيما أذن الشرع في السعي إليه، فهذا هو الأصل” شرح الأربعين لابن دقيق 114-115.
ويقول ابن تيمية رحمه الله: “أولياء الله هم الذين آمنوا به ووالوه فأحبوا ما يحب وأبغضوا ما يبغض ورضوا بما يرضى وسخطوا بما يسخط وأمروا بما يأمر, وهو عما ينهى, وأعطوا لمن يحب أن يعطي ومنعوا من يحب أن يمنع” الفرقان 52.
وعليه فميزان الولاية الحقة السير على وفق الكتاب والسنة.
ومن ثم فلا توزن الولاية الحقة بكشف ولا خرق لعادة, ولا اجتهاد في عبادة بلا نور السنة ونحو ذلك وإنما توزن بموافقة الكتاب والسنة والسير على منهج سلف الأمة.
يقول ابن تيمية رحمه الله: “لو ذَكَر الرجل الله سبحانه دائما ليلا ونهارا مع غاية في الزهد وعبده مجتهدا في عبادته ولم يكن متبعا لذكره الذي أنزله وهو القرآن: كان من أولياء الشيطان, ولو طار في الهواء أو مشى على الماء, فإن الشيطان يحمله في الهواء وعلى الماء” الفرقان 85.
وقال ابن القيم رحمه الله: “ولا يشتبه أولياء الرحمن بأولياء الشيطان إلا على فاقد البصيرة والإيمان وأنا يكون المعرضون عن كتابه وهدي رسوله وسنته المخالفون له إلى غيره وأوليائه وقد ضربوا لمخالفته جأشا وعدلوا عن هدى نبيه وطريقته “وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ”.
فأولياء الرحمن المتلبسون بما يحبه وليهم المحاربون لمن خرج عنه, وأولياء الشيطان المتلبسون بما يحبه وليهم قولا وعملا يدعون إليه ويحاربون من نهاهم عنه, فإذا رأيت الرجل يحب السماع الشيطاني ومؤذن الشيطان وإخوان الشياطين ويدعوا إلى ما يحبه الشيطان من الشرك والبدع والفجور علمت أنه من أوليائه, فإن اشتبه عليك فاكشفه في ثلاثة مواطن: في صلاته, ومحبته للسنة وأهلها ونفرته عنهم, ودعوته إلى الله ورسله وتجريد التوحيد والمتابعة وتحكيم السنة فزنه بذلك لا تزنه بحال ولا كشف ولا خارق ولو مشى على الماء وطار في الهواء” الروح 357-359.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *