الخوف من أذى أهل الشر من مجرمي الإنس هو من الخوف الجبلي الطبيعي الذي له سبب معروف، وهو الخوف من أذاهم وشرهم، والعمل على توقي ذلك بالابتعاد عنهم وتحاشيهم، فمثل هذا الخوف لا يعد من الشرك، بل لا يذم صاحبه عليه إلا إذا حمله على فعل محرم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “الخوف الطبيعي والجبلي في الأصل مباح، لقوله تعالى عن موسى: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، وقوله عنه أيضا: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ)، لكن إن حمل على ترك واجب أو فعل محرم فهو محرم، وإن استلزم شيئا مباحا كان مباحا”. انتهى من مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين (10/648).
الخوف من الجن فيه تفصيل:
– إذا كان خوفا طبيعيا، كما يخاف الإنسان من كل ما يتوقع ضرره، كالسبع والحية، فهذا خوف جبلي كالأول، لا يؤاخذ به الخائف ما لم يؤد إلى ارتكاب محرم، وينبغي دفعه بما يشرع من الأسباب، من ذكر الله تعالى، ودعائه، والتوكل عليه.
– أما إذا كان خوفا ناتجا عن اعتقاد فاسد، كأن يعتقد أنهم يضرون وينفعون من دون الله، فهذا من الشرك، والواجب في ذلك تصحيح الاعتقاد.
وهذا النوع من الخوف يسمونه “خوف السر”؛ ومعناه: أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره، فهذا شرك أكبر، لأنه اعتقادٌ للنفع والضر في غير الله”. راجع: تيسير العزيز الحميد؛ ص:23.
ومثل هذا إذا حمله الخوف الطبيعي من الجن، أو غيرهم مما يتوقع أذاه، إذا حمله ذلك على صرف شيء من العبادة لهم من دون الله، كأن يدعو الجن، أو يتعوذ بهم، ونحو ذلك؛ فهذا من الشرك الأكبر بالله؛ كما قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) الجن/6.
قال ابن كثير رحمه الله: “أَيْ: كُنَّا نَرَى أَنَّ لَنَا فَضْلًا عَلَى الْإِنْسِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعُوذُونَ بِنَا، أَيْ: إِذَا نَزَلُوا وَادِيًا أَوْ مَكَانًا مُوحِشًا مِنَ الْبَرَارِي وَغَيْرِهَا؛ كَمَا كَانَ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي جَاهِلِيَّتِهَا؛ يَعُوذُونَ بِعَظِيمِ ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْجَانِّ، أَنْ يُصِيبَهُمْ بِشَيْءٍ يَسُوؤُهُمْ. كَمَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَدْخُلُ بِلَادَ أَعْدَائِهِ فِي جِوَارِ رَجُلٍ كَبِيرٍ وَذِمَامِهِ وَخَفَارَتِهِ، فَلَمَّا رَأَتِ الْجِنُّ أَنَّ الْإِنْسَ يَعُوذُونَ بِهِمْ مِنْ خَوْفِهِمْ مِنْهُمْ، {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: خَوْفًا وَإِرْهَابًا وَذُعْرًا، حَتَّى تَبْقَوْا أَشَدَّ مِنْهُمْ مَخَافَةً وَأَكْثَرَ تَعَوُّذًا بِهِمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: {فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} أَيْ: إِثْمًا، وَازْدَادَتِ الْجِنُّ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ جَرَاءَةً” انتهى من تفسير ابن كثير 8/239.
والخوف من دخول الأماكن المهجورة، إن كان خوفا جبليا، كأن يخاف من وجود عقارب أو أفاعٍ به، أو يخاف من وجود جن يصيبه بأذى بإذن الله؛ لأن الجن تسكن الأماكن المهجورة، ونحو ذلك، فلا يؤاخذ به، وإن كان من خوف السر فهو من الشرك.
كما إطلاق القول بأن فلانا يضر؛ لأنه يضرب الناس ويؤذيهم، لا حرج فيه، لأن ضرره هنا متعلق بسبب حسي معلوم، هذا مع اعتقاد أن الضر والنفع إنما هو بإذن الله وتقديره؛ كما قال تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102؛ فأثبت لهم الضر، لكن بإذن الله وتقديره ومشيئته.
روى الترمذي وصححه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: (..وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ).
ومثل ذلك قول: “هذا الشيء مضر بالصحة”. (انظر: الإسلام سؤال وجواب).