المسلم الحقيقي هو الذي يسعى بسلوكه المستمد من توجيهات القرآن الكريم ومن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسب قلوب الناس وحيازة ودهم واحترامهم فيكون بسلوكه هذا دون أي تكلف أو نفاق، مثلا يحتذى به لغيره من أفراد المجتمع سواء في بلاد الإسلام أو خارجها، في ظروف نحن أحوج ما نكون فيها إلى استرجاع صورة المسلم الحق، في ظل التشويه الذي يتعرض له المسلمون على أكثر من صعيد، فتظهر ثمرة ذلك السلوك في ما يلقاه من إقبال الناس وقبولهم عليه؛ فيقذف الله محبته في قلوبهم ويوطن في نفوسهم ألفتهم إليه، فإليك أخي عشر نصائح لكسب قلوب الناس بأدلتها من الكتاب والسنة، لو التزمت بها ودربت نفسك على تمثلها والعمل بها، لأصبت حلاوة في علاقاتك الاجتماعية ولتغير طعم حياتك.
1. إفشاء السلام
السلام اسم من أسماء الله الحسنى ومعناه الأمن والسكينة والطمأنينة، وإلقاء تحية الإسلام تحمل في طياتها جميع هذه المعاني النبيلة، المزيلة لكل دواعي الشك والريبة والتوجس التي قد تخالج النفس، خاصة اتجاه الأفراد الذين لا تربطنا بهم صلة أو لم يسبق لنا التعرف عليهم، فيصير إفشاء السلام باعثا إيجابيا وتمهيدا محمودا للتعارف وتأسيس علاقات جديدة بين الأفراد والجماعات.
وعلى كل مسلم الالتزام به وإفشائه على من يعرف ومن لا يعرف؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير قال: “تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” مسلم.
كما أن رده واجب على من سمعه لقول الله تعالى: {وإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} النساء 86.
قال ابن كثير: “وهذا.. قول العلماء قاطبة أن الرد واجب على من سلم عليه فيأثم إن لم يفعل لأنه خالف أمر الله في قوله فحيوا بأحسن منها أو ردوها”.
ورد السلام يكسب العبد محبة في القلوب ويزيدها تآلفا ومودة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم” مسلم.
لكننا وللأسف قد نجد بعض الناس لا يتمثلون هذا السلوك وربما يكون ذلك الشخص أحيانا من المواظبين على صلاة الجماعة إلا أنه لا يلتزم بإلقاء السلام أو رده.
2. الابتسامة وطلاقة الوجه
للابتسامة أثر عظيم على النفوس وهي تعبير واضح على انشراح القلب والتقبل الإيجابي للآخر، وإشارة لطيفة لمخاطبة مشاعره قبل مخاطبة عقله، والسبيل لدخول قلوب الناس بدون استئذان، وقد رغبنا النبي صلى الله عليه وسلم على المحافظة عليها أثناء لقاءاتنا واستقبالاتنا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “تبسمك في وجه أخيك صدقة” رواه الترمذي1956. والابتسامة تضفي على الوجه طلاقة وبهاء وتكسب المحيى إشراقا وبهجة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق” صحيح الأدب المفرد 901.
3. الهدية
لا يدرك الأثر السحري للهدية في التحكم بالقلوب والتمكن من زمامها، إلا من جرب وقعها على نفسه فيكون هذا الأثر المفاجئ أمرا إيجابيا يسعد القلب ويبهج النفس ويزيدك احتراما ومعزة للشخص الذي قدم لك الهدية؛ فيكبر قدره في نظرك وتتقوى مشاعر المحبة والألفة نحوه؛ وقد كان النبي يقبل الهدية ولا يردها؛ بل رغب فيها وحث عليها فقال صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا” أخرجه البخاري في الأدب المفرد/594.
4. حسن الإنصات
أدب الإصغاء والتخلق بحسن السلوك أثناء الحديث مع المتحاور سبيل لكسب قلوب الناس، فلا تقاطعه حتى يتم كلامه ولا تبد أي إشارة تنم عن احتقار لأفكاره أو تنقيص لرأيه، بل احرص على إبداء الاهتمام بحديثه والحفاظ على الابتسامة وإيماء الرأس أثناء الحديث والإنصات، قال ابن المقفع: “تعلم حسن الاستماع كما تتعلم حسن الكلام، ومن حسن الاستماع إمهال المتكلم حتى ينقضي حديثه، والإقبال بالوجه، والنظر إلى المتكلم والوعي لما يقول”، وأحيانا الصبر وتحمل كلامه الذي قد يطول فلا تضجر؛ ففعله قد يعبر عن اطمئنانه وارتياحه لحديثه معك وإشارة على ثقته فيك، وقد لا تستغرب كثيرا لو التزمت بهذه الأدبيات في الحديث أن تجد محدثك يبوح لك بأسرار تخصه قد لم يسبق له أن باح بها لأحد غيرك، لما وجده فيك من حسن الإنصات وأدب الحديث.
5. السعي في حوائج الناس
الإسلام دين التكافل والتعاون يقول الله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” المائدة:2، والمجتمع المسلم كالجسد الواحد لا يحيا ولا يصح إلا بعطف الغني على الفقير ورحمة الكبير بالصغير، وسعي ذو الاستطاعة والقدرة في حاجة -مباحة شرعا- لطالبها حتى يقضيها له بلا مَنِّ ابتغاء وجه الله تعالى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنَّ لِلَّهِ أَقْوَامًا اخْتَصَّهُمْ بِالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ الْعِبَادِ، وَيُقِرُّهَا فِيهِمْ مَا بَذَلُوهَا، فَإِذَا مَنَعُوهَا نَزَعَهَا عَنْهُمْ وَحَوَّلَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ ” أخرجه الطبراني؛ صحيح الترغيب والترهيب 2/358، فتكون نتيجة ذلك وثمرته بعد ثواب الله عز وجل أسر قلب المحتاج جراء المعروف الذي أسديته له؛ ورقة نفسه اتجاهك وارتقاء منزلتك في وجدانه، فتصير بذلك أحب الناس إليه.
6. الصدق في القول والعمل
لن يكسب المرء قلوب الناس ويستحوذ على محبتهم إلا إذا صدق في قوله وعمله، ووافق باطنه ظاهره، فيتجلى الصدق الخفي في قلبه محبة جلية في سلوكه وتعامله مع الناس، فيتودد إليهم ويخفض لهم جناح التعاطف والوئام، والصدق خلق يفتح قلوب الناس للوثوق بك وكلما شاع عنك هذا الخلق وعرفت به وعهدك الناس عليه، اتسعت دائرة ثقتهم بك واطمأنوا إليك، فاستأمنوك على أعز ما لديهم؛ وهذا دليل واضح على محبتهم لك. قال صلى الله عليه و سلم: “دع ما يريبك إلى مالا يريبك؛ فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة” أخرجه الترمذي 2518.
7. من أحبه الله أحبه الناس
محبة الله عز وجل لعبده نور يقذفه الله في القلب، وإذا نال العبد محبة الله عز وجل ترتب عن هذه المحبة الربانية، محبة سائر أهل السماء والأرض، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً نادى جبريل إن الله قد أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء ويوضع له القبول في الأرض” متفق عليه.
وسبل محبة الله تعالى للعباد كثيرة من بينها الإكثار من النوافل.
8. مقابلة الإساءة بالإحسان
يعتبر هذا الخلق من أرقى الأخلاق الإسلامية وأعظمها ولا يتحلى به إلا من رزقه الله قلبا مطمئنا وروحا صافية وإيمانا راسخا، لأنه خلق الأنبياء والأولياء يقول الله عز وجل: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ” المؤمنون96، فقلما تجد إنسانا عاديا أسيء إليه لا يجد في قلبه شيئا من الضغينة والرغبة في رد الإساءة إلى المسيء إليه، لكن تأكد أن نقيض هذا الإحساس ومقابلة الإساءة بالإحسان قد يكون سببا في انقلاب الحقد محبة والضغينة مودة والعداوة ولاء، يقول عز من قائل: “ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَـــكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ” فصلت:34.
9. الإفصاح عن المحبة بالقول:
ليس عيبا ولا ضعفا أن يفصح المرء عن محبته للناس بعبارات ملؤها اللطف والود من قبيل “أخي الحبيب، الله يعلم أنك من أعز الناس إلى قلبي، كلما تحدثت إليك زادت محبتي لك…”، بل إن لذلك وقعا عجيبا على قلب المخاطب ووجدانه، لأن هذا الإفصاح يعطيه دلالة واضحة وتعبيرا صريحا على محبتك له، فيلين قلبه وتألف نفسه لمجالستك والأنس إليك. وقد أفصح النبي صلى الله عليه وسلم عن حبه لمعاذ فقال عليه الصلاة والسلام: “يا معاذُ واللهِ إنِّي لأحبُّك. فقال له معاذٌ: بأبي أنت وأمِّي يا رسولَ اللهِ؛ وأنا واللهِ أحبُّك. قال: أوصيك يا معاذُ لا تدَعنَّ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ أن تقولَ اللَّهمَّ أعِنِّي على ذكرِك وشكرِك وحسنِ عبادتِك” الترغيب والترهيب297/2 وصحيح سنن أبي داود.
10. التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم
خلق المسلم مستمد من التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة وهو الإسوة، يقول الله تعالى: “لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا” الأحزاب 21، ويقول عز وجل: “وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ” القلم 4.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن أحبهم وأن يؤلف بين قلوبنا وأن يجعلنا إخوة متحابين فيه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.