جاء الإسلام ليكرم الإنسان ويرفع مكانته بين كثير من المخلوقات ويصون حقوقه ويضمن كرامته، يقول الله تعالى: ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” الإسراء:70.
والقرآن الكريم عندما يخاطب الإنسان في عموم اللفظ فإن هذا الخطاب موجه للرجل والمرأة على السواء، إذ أن الإسلام لا يستثني في التكاليف والأحكام الشرعية أحدا منهما، وهذه قاعدة عامة تشمل الرجل والمرأة إلا في بعض الأحوال الخاصة، يقول الله تعالى: “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” التوبة: 71.
كما ساوى الإسلام بينهما في الأجر والثواب بقدر درجة التقوى والاجتهاد في الطاعة، يقول تعالى: “إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا” الأحزاب: 35.
وفي العمل الصالح دون تمييز، يقول الله عز وجل: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوأُنثَىٰ وَهُومُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” النحل:97.
ومع ذلك لا نجد في أي ديانة أو عرف أخلاقي أو اجتماعي إنصافا وتكريما للمرأة وإعلاء لمكانتها، مما هو عليه الحال في دين الإسلام، فقد كانت المرأة في كثير من العصور والديانات الماضية ولا زالت إلى يومنا هذا تعاني من صنوف الإقصاء والتهميش وألوان الإذلال والتحقير، فاعتبرتها الكنيسة في العصور الوسطى كائنا شريرا تسكنه أرواح شيطانية، واعتبرتها العرب في الجاهلية كائنا لا يأتي منه إلا العار والشنار والفقر، وقصرت شعوب أخرى وظيفتها في الإنجاب وتلبية شهوة الرجل فقط، وأقوام أخرى جعلتها أمة مهانة تباع وتشترى، وأمم أخرى تدعي الحضارة والمساواة المزيفة أرغمتها على تحمل الأعمال الشاقة مثلها مثل الرجل، وآخرون استغلوا جسدها في التسويق والإعلام والتجارة..
فأتى الإسلام ليقيم أسس العدل وينصفها، ويرفع عنها ما نزل بها من ظلم، ويحررها من العبودية وليقر لها حقوقها كاملة، بما يتناسب مع خصائصها النفسية والجسدية أما كانت أو زوجة أو بنتا أو مطلقة.
فصان لها الإسلام حقها في الحياة كباقي البشر وتوعد كل من سلبها هذا الحق أشد الوعيد، يقول الله تعالى: “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوكَظِيمٌ يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ” النحل: 58، 59.
كما شملت عناية الإسلام بالمرأة بأن ضمن لها حقها في التربية وطلب العلم والتعلم مثل الرجل، فعن أبي سعيد الخدري قال: “جاءَتِ امرأةٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ذهَب الرجالُ بحَديثِك، فاجعَلْ لنا من نفسِك يومًا نأتيك فيه، تُعَلِّمُنا مما علَّمك اللهُ، فقال: “اجتَمِعنَ في يومِ كذا وكذا، في مكانِ كذا وكذا”، فاجتَمَعنَ، فأتاهنَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فعلَّمهنَّ مما علَّمه اللهُ، ثم قال: “ما منكنَّ امرأةٌ تُقَدِّمُ بين يدَيها من ولَدِها ثلاثةً، إلا كان لها حجابًا منَ النارِ .فقالتِ امرأةٌ منهنَّ: يا رسولَ اللهِ؟ اثنينِ؟ قال: فأعادَتْها مرتينِ، ثم قال: “واثنينِ واثنينِ واثنين” البخاري:7310.
ومراعاة لحقوق المرأة المادية فقد أقر الإسلام لها هذه الحقوق مهرا وصداقا ونفقة ومتعة في حال الزواج أو الطلاق وهذا من باب الإحسان إليهن، يقول الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ۚ فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا} النساء:4. ويقول عز وجل: {وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ}الطلاق: 6.
والمرأة بطبيعتها كائن حساس ومخلوق عاطفي خصوصا في العلاقة الزوجية والأمور الأسرية، وقد راعى الإسلام هذه الخصوصية لدى المرأة، وبين عددا من الحالات التي يمكن أن تظلم فيها المرأة نفسيا أو تجرح فيها عاطفيا، أو أن تُكره على شيء لا ترغب فيه، سواء أكان ذلك بدواعي الانتقام منها أو التنكيل بها، فحذر من الوقوع في ذلك، وأرشد إلى سبل التعامل معه، يقول الله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَو سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ ۚ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} البقرة:231.
ومن باب الإحسان إليهن وحسن معاشرتهن، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هن عوانٌ عندكم. ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشةٍ مبينة. فإن فعلن فاهجروهن في المضاجعِ واضربوهن ضربًا غير مبرِّحٍ. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إنَّ لكم على نسائكم حقًّا. ولنسائكم عليكم حقًّا. فأما حقُّكم على نسائكم فلا يوطئنَ فرُشَكم من تكرهون ولا يأذنَّ في بيوتكم لمن تكرهون. ألا وحقُّهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن” سنن الترمذي1163:.
ويبين القرآن الكريم حق المرأة في إبداء الرأي وحرية التعبير وإسداء النصح وتقديم المشورة، ومن ذلك ما أشارت به بنت شعيب إلى أبيها باستئجار موسى عليه الصلاة والسلام لما رأت فيه من قوة وأمانة، يقول الله تعالى: {قالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} القصص:26.
ومن صيانة الإسلام للمرأة وحمايتها من الإساءة والاعتداء اللفظي والجسدي خارج البيت أو في حضرة من ليس من محارمها، فقد أرشدها الإسلام إلى الالتزام باللباس الشرعي وغض البصر واتقاء أسباب الفتنة، يقول الله عز وجل: {قُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوآبَائِهِنَّ أَوآبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوأَبْنَائِهِنَّ أَوأَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوإِخْوَانِهِنَّ أَوبَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوبَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَونِسَائِهِنَّ أَومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوالتَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوالطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} النور:31، ونهاها عن التبرج والسفور، قال الله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ} الأحزاب:33. وهذه الحماية لا تشملها وحدها فقط وإنما تعم سائر أفراد المجتمع رجالا ونساء فتيانا وفتيات، وقاية لهم من شرور الوقوع في الفاحشة.
وكما راعى الإسلام الحالة النفسية للمرأة، فقد راعى أيضا خصوصيتها الجسدية، مقارنة بالرجل، فهي لا تحتمل الأشغال التي تتطلب قوة جسدية كبيرة ولا تطيق الأعمال الخشنة التي يستطيع الرجل تحملها باعتبار قوته البدنية التي تؤهله لذلك، ونظرا لما يطرأ عليها من حالات جسدية ونفسية عارضة كالحمل والرضاع والحيض والنفاس، إلى درجة أن الإسلام قد أسقط عنها أداء بعض العبادات المفروضة كالصوم والصلاة والطواف إلى حين زوال تلك العوارض وقضاء الأيام التي أفطرتها.
لهذا كان الإسلام منصفا في هذا الجانب، فلم يكلفها بما لا تطيق من تلك الأعمال، بل جعل لها مكانها الطبيعي ووظيفتها الأصيلة التي تتفق مع خصائصها النفسية والبدنية وهي بالأساس رعاية الأسرة والأبناء والعناية بالبيت فيتكامل كل واحد منهما بحكم وظيفته مع الآخر.
مع أن ذلك لا يعفي الرجل من القيام بدوره في تربية الأبناء ورعاية شؤونهم والحرص على مساعدة أهله ومد يد العون إليهم داخل البيت، والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يضرب لنا المثل في ذلك، فقد سئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَصنعُ في أهلِهِ؟ قالتْ: “كان في مِهْنَةِ أهلهِ، فإذا حضرتِ الصلاةُ قامَ إلى الصلاةِ” البخاري:6039. وما يزيدها ذلك إلا تكريما وشرفا واحتراما.
هذه بعض من مظاهر تكريم الإسلام للمرأة على سبيل الإيجاز، وإلا فالإحاطة بالموضوع من جميع جوانبه يحتاج كتابا مفردا.
نسأل الله عز وجل أن يصلح أزواجنا وذريتنا، وأن يجعلنا من خيار الناس لأهلنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والحمد لله رب العالمين.