فرضت السلطات بمراكش إغلاق دور القرآن التابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة ما هو تعليقكم وما هو موقفكم؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أما التعليق فحسبنا الله ونعم الوكيل وإننا متأسفون وحزينون غاية على هذا الفعل الذي لم يراع حرمة الشهر الفضيل ولا احترام القانون ولا احترام إرادة المغاربة الأحرار في تحقيق إصلاح جاد ودائم، وهذا الفعل يدل على صعوبة سلوك طريق الإصلاح وأن المغرب يعاني من نفوذ لوبيات لا تستطيع العيش إلا في ظلام الفساد بكل صوره: مصادرة الحقوق خرق القانون فرض الرأي وإقصاء الرأي المخالف، الاستبداد…
وأما الموقف فهو اللجوء إلى القضاء وسلوك كل السبل التي يكفلها الدستور والقانون المغربي للمظلوم حتى يسترجع حقه.
هل رفعتم الدعوة القضائية؟
ليس بعد والملف في يد محامي الجمعية.
ما هو تحليلكم بشأن الخلفية السياسية لهذا القرار؟
المتتبع لمجريات الأحداث إقليميا ودوليا يلاحظ أن التيار السلفي مستهدف بحملة جديدة من حملات التشويه الإعلامي والإقصاء السياسي، ولا يزال سيناريو الثور الإسباني يتكرر.
عفوا ماذا تقصدون بنظرية الثور الإسباني؟
من العادات الإسبانية ما يعرف بالطوريرو الذي يتقمص دور البطل بقتل ثور هائج، هذا الثور يعذب: يسجن في الظلام ويجوع ثم يدفع به إلى ساحة القتل الوحشي الممعن في التعذيب، ومع هذا تظهره العادة الإسبانية على أنه ظالم معتد وأن البطل هو جلاده ومعذبه وقاتله.
هكذا تفعل جهات سياسية ببعض المنتسبين إلى التدين والمنتسبين إلى السلفية، تستغل عاطفته الدينية الجياشة وسذاجتهم وجهلهم بحقيقة الدين والمنهاج الدعوي الصحيح فتستفزهم وتدفعهم نحو العنف ثم تبرز مواقفهم الطائشة وتظهر للناس خطورتهم وتهديدهم للسلم والأمن ثم تنقض عليهم بوحشية متجاوزة حقوق الإنسان والقانون.
جرى هذا في مصر والجزائر وتونس قديما وتكرر في المغرب في سياق أحداث 16 ماي ثم تكرر في تونس، ثم بدت ملامح جديدة له في الشهور الأخيرة، وكانت البداية مع نازلة الحرب على مالي ومع الجماعات المنسوبة إلى السلفية في تونس ومنها تنظيم ادعى أنه لا يؤمن بالقانون والمؤسسات وأنه يريد أن يفرض قوانينه الخاصة كما راجت مسألة الأفراد الذين سافروا إلى سوريا للقتال، ومنهم مغاربة، وفي المغرب هناك جهات تقتات على واقع أن المغرب مهدد بالإرهاب وأنه ينبغي تجفيف منابع هذا الإرهاب فتقدم دور القرآن فريسة سهلة لتظهر لمن يهمهم الأمر أننا مجندون لحرب الإرهاب وعدم السماح لحاملي الأفكار السلفية الظلامية التي ظهرت في تونس ومالي..
ومن جهة أخرى يظن البعض أن جمعية الدعوة إلى القرّآن والسنة تتبنى دعم حزب العدالة والتنمية وبالتالي تم التعامل معها بهذه الطريقة لمعاقبتها وأيضا لإيهام السلفيين بأن مقرات الجمعية أغلقت على رغم أنوف الحزب ذي الأغلبية في الحكومة.
طيب وما هي رؤيتكم لهذه القضايا كلها؟ وكيف تم الترويج لكونكم تشجعون السفر إلى سوريا للجهاد؟
لاحظت أن جهات إعلامية كانت تسعى لإلصاق هذه الدعوة بي شخصيا وذلك على إثر مطالبة رئيس الحكومة بنظر حكومته فيما طالب به مؤتمر القاهرة الحكومات الإسلامية من السعي بالممكن لإيقاف المد الإيراني في سوريا، فاتصلت بي إحدى الجرائد الإلكترونية وسألتني عن المراد بهذا الدعم فبينت أن الدعم المطلوب هو المساعي الديبلوماسية الجادة والسعي لإمداد الجيش الحر بالسلاح وتوفير الضروريات لللاجئين.
فسألني المتصل وما رأيكم في ما جاء في البيان من الدعوة إلى الجهاد وذهاب المغاربة للجهاد في سوريا؟ فأجبته بأن الجهاد أمره كبير وحساس وأنه متوقف على فتوى شرعية وقرار سياسي يرجع إلى كبار العلماء وأن المخول للنظر في ذلك في المغرب هو المجلس العلمي الأعلى.
فنشرت كلامي بالحرف لكنها تلاعبت في العنوان وقالت فيه “القباج يدعو بن كيران إلى الجهاد في سوريا” كما أن إحدى اليوميات التي حاورتني زعمت كذبا أنني قلت نعم دعوت للجهاد في سوريا لكن كلامي أخرج عن سياقه.
طبعا هذا يؤكد ما أشرنا إليه من أن جهات معينة تسعى حثيثا لإيقاع السلفيين في فخ لتصفية حسابات وتنفيذ أجندات.
ومن هذا أن البعض خلط بين موقفنا من التدخل العسكري في مالي وإقرار ما ينسب إلى بعض الجماعات المتطرفة وحاول أن يوهم بأن السلفيين في المغرب يشجعون تلك الممارسات الجاهلة، وقد كتبت مقالتين في الموضوع تضمنتا إنكار الأمرين كليهما:
أولا: الممارسات الإرهابية وثانيا: التدخل العسكري، أما ما نسب إلى سلفيين بتونس فالجميع يعلم أننا نؤمن بدولة المؤسسات والقانون ومنذ دخلنا مجال التنظير والتأطير ونحن نؤكد على أهمية المشاركة في بناء مغرب الإصلاح التنمية والقانون والمؤسسات، لكن البعض يأبى إلا أن يقصينا ويعتبرنا مواطنين من الدرجة الثانية نحتاج إلى التأهيل.
أما دعم حزب العدالة والتنمية فلم يكن في يوم من الأيام موقفا للجمعية، بل المتفق عليه بين أعضاء مكتبها وأطرها أنها تنأى بنفسها عن الترويج لحزب أيا كان.
لكن أطرها لهم الحرية كغيرهم من المواطنين في أن يختاروا الحزب الذي يريدون، وأنا متأكد أن قرار الإغلاق التعسفي سوف يزيد من شعبية حزب العدالة والتنمية لا سيما بعد التصريح الشجاع لوزير العدل الذي أكد ثباته على موقفه المناصر لدور القرآن ورفضه القاطع لقرار الإغلاق.
بالمناسبة ما هو تقييمكم لأداء حكومة بن كيران؟
هذه الحكومة في الحقيقة يراد لها أن تتحمل أكثر مما تحتمل وما يفرضه المنطق والواقعية، ورثت عقودا من الفساد المستشري وصنعت لها معارضة موجهة ومسيسة ثم صدرت الأحكام الجاهزة في حقها.
والله لو كان المشهد السياسي عندنا معافى وكان السياسيون يقدمون مصلحة الوطن على سلوك تنفيذ الأجندات وسلوك الطمع والجشع لكنا قد قطعنا أشواطا كبيرة في الإصلاح، لكن لوبيات الفساد لا تستطيع أن تحافظ على مصالحها في واقع يرتفع فيه صوت الإصلاح، كما أنها تسعى جاهدة من أجل أن لا ينسب إصلاح إلى الإسلاميين.
أشاعت وزارة الأوقاف أنها فتحت في مراكش أكثر من 300 مركز لتحفيظ القرآن الكريم مباشرة بعد إغلاق دور القرآن ما تعليقكم؟
هذا الكلام غير صحيح وهذه المراكز تم إحصاؤها قبل شهور، حيث أن المندوبية أحصت كل مراكز التحفيظ في جهة مراكش تانسيفت الحوز ودخلت في الإحصاء دور القرآن التابعة لجمعيتنا وغيرها من الجمعيات في الجهة المذكورة.
وهذا المنطق غير سليم من أصله فالمطلوب هو التكامل وليس التآكل والإقصاء، نحن نشجع فتح مراكز التحفيظ ونتمنى للوزارة التوفيق في ذلك، لكن نطلب منها أن تعرف لدور القرآن جميلها، وأن تحفظ لها حسناتها وندعو السيد وزير الأوقاف إلى عدم التأثر بخلافه الفكري أو المنهجي مع أطر دور القرآن وإنكار جهودها ومحاولة إقصاءها، فجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة شاركت في تأطير المجال الديني وتقريب القرآن وعلومه إلى المواطن المغربي منذ أزيد من ثلاثة عقود وخرجت علماء وقراء ومصلحين، فهذا يستدعي شكرا وتقديرا وتنويها ولو غلب منطق الإنصاف وخلق الاحترام لاستوجب ذلك أن يحتفى بالدكتور محمد المغراوي وأن تكافئه الدولة على مجهوداته في خدمة الوطن والمواطن وترسيخ سلوك التدين وثقافة السلام والمسؤولية والمواطنة الصالحة، لكن يبدو أننا لم ننضج بعد بما يكفي لمعاملة من يستحق بما ينبغي وإن كنا نختلف معه.
لكن البعض يصفكم بأنكم: وهابيون، ويتهمكم بنشر الوهابية وهذا هو مبرر وزير الأوقاف لمحاربتكم؟
هذا الكلام مللنا من الرد عليه وبيان أن سلفيتنا سلفية مغربية أصيلة لم نبتدعها ولم نستوردها من جهة معينة نحن متشبعون بسلفية الإمام مالك، وسلفية المرابطين، وسلفية السلطان مولاي سليمان، وسلفية العلماء والمصلحين الذين عرفهم المغرب عبر تاريخه الطويل، من أمثال العلامة الإمام عبد الله السنوسي، وشيخ الإسلام أبي شعيب الدكالي، والعلامة الأديب عبد الله كنون وغيرهم..
وهذا لا يمنع من الاستفادة من كل المصلحين في المشرق والمغرب من أمثال العلامة الإمام عبد الحميد بن بادس في الجزائر، والعلامة المحدث أحمد شاكر في مصر، والعلامة المصلح محمد الخضير حسين في تونس، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب واحد من هؤلاء نستفيد منه الصواب ونرد عليه الخطأ كغيره، فلسنا وهابية ولا تيمية ولا حنابلة ولكننا مغاربة متشبتون بأصالتنا ومنفتحون على كل شيء إيجابي سواء جاء من المشرق أو من المغرب.