ورد في تصريح لمسؤول في الخارجية البريطانية يقول فيه أن سلطات بلاده تراجع الإجراءات المتعلقة بدراسة الطلبة الأجانب للمواد الحساسة في الجامعات البريطانية، والمقصود بـ”المواد الحساسة”: الهندسة النووية وتكنولوجيا الصواريخ، والدفع النفاث والتقنيات الكيميائية والجرثومية، الذي يمكن أن تستفيد منهــا “الدول الخطيرة!”
هذا التصريح الذي أوردته صحيفة الشرق الأوسط يأتي كجزء من الحصار العلمي والتقني الموجة ضد دول عربية مهمة في المنطقة تهتم بالتسلح النووي، وهو لا يختلف في هدفه النهائي عن القانون الشهير الذي أقره مجلس النواب الأمريكي عام 2002 بخصوص حظر أو تشديد الرقابة على بعض التخصصات التي يدرسها طلاب سبع دول أجنبية، أربع منها عربية!
ويعد هذا القانون تأصيلا للمهام المناطة بـ (لجنة المتابعة الأكاديمية) التي تم إنشائها بعد تفجيرات “نيويورك” لمنع طلاب بعض الدول من دراسة التخصصات الحساسة مثل تكنولوجيا الصواريخ والفيزياء الذرية، وأنظمة التوجيه وأشعة الليزر، والسبائك المتقدمة.. حتى أن أحد الطلاب العرب الذين يدرسون بالجامعة نفسها صرح: “بـأنه أصبح من المعتاد أن يطـُـلب من بعض الطلاب الأجانب مغادرة القاعة أو المختبر حين يتعلق الأمر بالتقنيات العسكرية الرائدة!”.
وغني عن القول أن الحكومات الغربية تحاول (من خلال هذا الحصار الأكاديمي) الحد من تسرب العلوم والتقنيات المتقدمة إلى “الدول المارقة” ومنها الدول الإسلامية حسب مفهومها، وهي بهذا القانون “تـقـنـن” عادة قديمة بدأت مع قيام الثورة الكوبية حين منعت أمريكا الطلاب الكوبيين من دراسة التخصصات العسكرية الحساسة، كما تـكررت نفس المعاملة مع الطلبة الليبيين حين سَرَت في الثمانينات “حمى القذافي” وسعيه لامتلاك قنبلة نووية، ثم توسعت القائمة بعد ذلك لتشمل طلبة إيران وكوريا الشمالية ولبنان وسوريا..
وكانت واشنطن قد تطوعت (بعد تفكك الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينات) بدفع رواتب علماء الذرة الروس خوفا من هجرتهم إلى الدول العربية، كما حرصت على شراء التقنيات الروسية المنسية أو المجمدة خوفا من تسربها إلى دول المنطقة.
المعضلة الكبرى -التي تقع فيها بعض هذه الدول- هي حـين يتفوق أحد الطلاب المسلمين رغم كل عوامل الحصار الأكاديمي.. فــحين تتأكد من تفوق أحـد هـؤلاء تأمل أولا أن يتكفل مجتمعها المترف بإقناعه بالبقاء، ثم تتدخل بطريقة غير مباشرة لدعوته للعمل في إحدى المؤسسات الحكومية أو الشركات المتعاقدة مع وزارة الدفاع، أما الخطوة الثالثة فقد تتضمن اتخاذ إجراءات استثنائية قاسية لمنع عودته إلى بلاده نهائيا.
فحسب نظرية المؤامرة يتم سجن أو اغتيال كل من يرفض البقاء بحيث يبدو الأمر كحادث عرضي، وحتى اليوم ما تزال مصر تتذكر بأسى اغتيال عالمة الذرة سميرة موسى التي نالت درجة الدكتوراه في الفيزياء الذرية واغتيلت بسبب إصرارها على العودة لمصر، وقيدت القضية ضد مجهول، ونفس المأساة تكررت مع عالم عربي آخر يدعى سمير نجيب كان متفوقاً في علوم الذرة وعمل في أمريكا لفترة طويلة قبل أن يقرر العودة فجأة، فاغتيل قبل سفره بـيوم واحد، وهناك أيضا عالم الفيزياء سعيد بدير الذي رفض البقاء في ألمانيا وأمريكا فـألقـي من شرفة منزله من قبل رجل مجهول، بعـد وصوله للإسكندرية بيومين فقط.
وهنا نتذكر ما حدث ويحدث للطلبة المسلمين ولسنا نعتقد أن آخرهم طالب الدكتوراه السعودي “حميدان التركي” الذي مازال قابعا في سجون أمريكا لتميزه، وكيف لفقت له اتهامات واهية ليحكم عليه بالسجن مدى الحياة ما لم يعترف بالاتهامات الموجهة إليه، ليكتف بـ 25 سنة فقط.
وسواء صدقنا فرضية قـتـل النوابغ أم لا، المؤكد حاليا ظهور توجه رسمي في بريطانيا وأمريكا والغرب عموما لمنع تصدير العلوم الحساسة لدول تـراها “إرهابية” أو غير جديرة بالثقة !