أشارت الدراسة إلى أن نقطة البدء الرئيسـة التي يجب على الولايات المتحدة العناية بها في بناء شبكات من المسلمين المعتدلين تكمن في تعريف وتحديد هوية من تريد استخدامهم من المسلمين.
وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أنه يمكن التغلب على صعوبة تحديد ماهية هؤلاء المعتدلين من خلال اللجوء إلى التصنيفات التي وضعتها بعض الدراسات السابقة التي قام بها بعض باحثي معهد “راند”، ولهذا الغرض فقد وضعت الدراسة بعض الملامح الرئيسة التي يمكن من خلالها تحديد ماهية الإسلاميين المعتدلين، أهمها ما يلي:
1- القبول بالديمقراطية: يعتبر قبول قِيَم الديمقراطية الغربية مؤشراً مهماً على التعرف على المعتدلين؛ فبعض المسلمين يقبل بالنسخة الغربية للديمقراطية، في حين أن بعضهم الآخر يقبل منها ما يتواءم مع المبادئ الإسلامية؛ خصوصاً مبدأ الشورى، ويرونه مرادفاً للديمقراطية. كما أن الإيمان بالديمقراطية كما هو متعارف عليها في الدول الغربية يعني في المقابل رفض فكرة الدولة الإسلامية وما يتعلق بها من تطبيق للشريعة الربانية.
2- القبول بالمصادر غير المذهبية في تشريع القوانين: وهنا تشير الدراسة إلى أن أحد الفروق الرئيسة بين الإسلاميين المتطرفين والمعتدلين هو الموقف من مسألة تطبيق الشريعة. تؤكد الدراسة أن التفسيرات التقـليدية للشـريعة لا تتناسب مع مبادئ الديمقراطية، ولا تحترم حقوق الإنسان، وتدلل الدراسة على ذلك من خلال مقال للكاتب السوداني (عبد الله بن نعيم) قال فيه بأن الرجال والنساء والمؤمنين وغير المؤمنين لا يمتلكون حقوقاً متساوية في الشريعة الإسلامية.
3- احترام حقوق النساء والأقليات الدينية: وفي هذا الصدد تشير الدراسة إلى أن المعتدلين أكثر قبولاً بالنساء والأقليات المختلفة دينياً، ويرون بأن الأوضاع التمييزية للنساء والأقليات في القرآن يجب إعادة النظر فيها؛ نظراً لاختلاف الظروف الراهنة عن تلك التي كانت موجودة إبَّان عصر النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.
4 ـ نبذ الإرهاب والعنف غير المشروع: تؤكد الدراسة هنا على أن الإسلاميين المعتدلين يؤمنون ـ كما هو الحال في معظم الأديان ـ بفكرة (الحرب العادلة)، ولكن يجب تحديد الموقف من استخدام العنف ومتى يكون مشروعاً أو غير مشروع؟ (وصفة أمريكية جديدة لبناء شبكات الإسلاميين المعتدلين، تقرير واشنطن، خليل العناني، 7 أبريل 2007م).
ووفقًا لما ذكره التقرير، فالتيار “الإسلامي” المعتدل المقصود هو ذلك التيار الذي :
1- يرى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية.
2- يؤمن بحرية المرأة في اختيار “الرفيق”، وليس الزوج.
3- يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة.
4 – يدعم التيارات الليبرالية.
5- يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: “التيار الديني التقليدي” أي تيار رجل الشارع الذي يصلي بصورة عادية وليست له اهتمامات أخرى، و”التيار الديني الصوفي” -يصفونه بأنه التيار الذي يقبل الصلاة في القبور!- وبشرط أن يعارض كل منها ما يطرحه التيار “الوهابي”.
ويلاحظ هنا أن التقرير يستشهد بمقولة لـ”دينس روس” المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط يتحدث فيها عن ضرورة إنشاء ما يسميه (دعوة سيكولار) أي دعوة علمانية، والمقصود هنا هو إنشاء مؤسسات علمانية تقدم نفس الخدمات التطوعية التي تقدمها المنظمات الإسلامية، سواء كانت قوافل طبية أو كفالة يتيم أو دعم أسري وغيرها.
وهذا ما يفسر حمى المجتمع المدني التي أصابت الدول الإسلامية بعد 11 شتنبر 2001 وخصوصا دول الخليج التي تعرف سيطرة شبه كاملة للعلماء وطلبة العلم، وتطبيقا للشريعة الإسلامية السمحاء، وما ذلك إلا لسحب البساط من تحت أرجل الدعاة والمصلحين ومزاحمتهم في تأطير المجتمع المسلم وتربيته تربية تستجيب لأحكام القرآن والسنة.