مؤتمر الجزيرة الخضراء 16/1/1906 والاعتراف الوهمي باستقلال المغرب

بعد زيارة “غليوم الثاني” الإمبراطور الألماني إلى المغرب سنة 1905م، ضغطت ألمانيا من أجل مؤتمر يحدد السلطان مكانه، فاقترح السلطان عبد العزيز مدينة طنجة، لكنها كانت موضوع جدل لم توافق عليها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا، وأخيرا تم الاتفاق على واحدة من ثلاث عرضها رئيس وزراء إسبانيا وهي: قادس-ملاقة-الجزيرة الخضراء فوافق السلطان، الذي أعطا موافقته يوم 26/11/1905 وجدد الاستدعاء في 31/12/1905 وفعلا تم افتتاح المؤتمر يوم 16/1/1906.

كان رئيس الوفد المغربي هو الوطني الصادق، ذو الخبرة السياسية التي اكتسبها من دار النيابة محمد العربي طريس، وكان رحمه الله شديد الريبة في كل الدول المشاركة في المؤتمر بدون استثناء.
وفيما يلي نتعرض لمعاهدة الجزيرة الخضراء التي رغم ما قيل عنها من أنها اعترفت للمغرب باستقلاله فقد كانت في الواقع وباء عليه وفتنة على سلطانه الذي استهدف ظلما وعدوانا من بعض مرضى النفوس الذين اتخذوا منها وسيلة ضده.
وهكذا فإن معاهدة الجزيرة الخضراء التي تتكون من 123 مادة نص فيها على سيادة سلطان المغرب ووحدة البلاد، ثم الحرية الاقتصادية لجميع الدول مع المغرب دون امتياز، فقد نصت على ما يلي:
أولا: فيما يتعلق بالأمن في الموانئ المواد من 1-2 وفيها نص على تنظيم “بوليس” لا يزيد عن 2500 ولا يقل عن 2000 وذلك في الموانئ الثمانية المفتوحة، يراقبهم ضابط سويسري يرفع تقاريره للمخزن، ويقدم نسخة أخرى لهيأة السلك الدبلوماسي، بينما يكون البوليس مختلطا في كل من طنجة، الدار البيضاء، وإسبَّانيًا في تطوان والعرائش، وفرنسيا في الباقي.
ثانيا: النظام المتعلق بمراقبة تهريب الأسلحة، وهو مؤلف من المواد 3 إلى 30، ويقضي بمنع إدخال وتجارة الأسلحة الحربية والذخائر والمواد المستخدمة لهذه الاغراض.
ثالثا: ما يتعلق بإنشاء بنك الدولة من المواد 31 إلى 58 وينص على إنشاء بنك للدولة بإذن من السلطان لمدة أربعين سنة يمارس كل العمليات التي هي من اختصاص البنوك، وهو المعتمد المالي للحكومة داخل المغرب وخارجه، ويقدم البنك اعتمادات للإنفاق على البوليس، وعلى الأشغال ذات النفع العام بفائدة لا تتجاوز 7%، ورأس مال البنك لا يقل عن 15 مليون فرنك، ولا يزيد عن 20 مليون.
رابعا: تنظيم الضرائب وإيجاد عائدات جديدة من المواد 59 إلى 76 وقد نص فيها على دفع الأجانب لضريبة الترتيب مقابل حصولهم على ملكيات في المغرب، ووافق المؤتمر على وضع رسوم الطوابع على العقود والصكوك الشرعية، وعلى نقل الملكية، ورسوم الإحصاء والأوزان على البضائع المنقولة بواسطة الملاحة الساحلية وعلى جوازات السفر.
ووافق المؤتمر على احتكار الكيف والأفيون على أن يسمح باستيراده لأغراض طبية، وسجل المؤتمر رغبة المخزن باحتكار التبغ.
خامسا: نظام الجمارك ومنع تهريب البضائع المواد من 77 إلى 104، ويقضي على كل سفينة أن تكون مزودة ببيانات يطلع عليها رجال الجمرك، ويفرض غرامات على تأخير تقديم البيانات، أو على البيانات غير الصحيحة.
سادسا: ما يتعلق بالأشغال والمصالح العامة من المواد 105 إلى 120 وفيها نص على عدم التنازل عن أية مصلحة عامة في المغرب، ويقوم إعطاء امتيازات الأشغال العامة في المغرب على أساس المناقصة العلنية دون أي تمييز.
ويحدد ظهير سلطاني شروط امتياز واستغلال المناجم على المواد من 113 إلى 119 شروط انتزاع الملكية العقارية اللازمة للأشغال العامة والمناجم.
سابعا: الترتيبات العامة، وهي المواد من 120 إلى 123 تتعلق بتصديق الميثاق الذي يتم وفق القوانين الدستورية لكل دولة على أن تودع التصديقات في مدريد في حد أقصاه 31 ديسمبر 1906م حيث يصبح الميثاق نافذا اعتبارا من هذا اليوم، وتبقى المعاهدات والاتفاقات السابقة بين المغرب والدول الأجنبية نافذة، ولكن إذا ظهر خلاف بين شروط هذه الاتفاقات وشروط الميثاق، فإن شروط الميثاق هي النافذة.
لم تستطع ألمانيا أن تحقق قليلا ولا كثيرا من أهدافها عن طريق هذا المؤتمر الذي فرضته فرضا من أجل القضاء على ما كان بين كل من فرنسا وبريطانيا من اتفاق سري، بل انكشفت ألمانيا وظهرت عارية الأهداف والمقاصد المغرضة الفاسدة بل الضاربة بالمغرب والمغاربة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *