هل هناك من يهمه الحكم الشرعي حقيقة؟ حرق الطيار وحرق (دُوما) كمثالين! د. إياد قنيبي

سيتساءل البعض: (مَن دوما؟) رجل أم امرأة؟ أم لعله خطأ مطبعي وقصده (الحرق دوماً)؟
لا عجب! فالإعلام يركز على ما يشاء ويهمش ما يشاء… بحسب مصلحة التأجيج!
دوما أهم مدينة في ريف دمشق يا سادة، فيها نصف مليون إنسان… هذا حتى صباح اليوم الثلاثاء 10-2-2015… أما بعد أيام، فقد نقول: كان هناك دوما! فهي الآن تتعرض لقصف نصيري همجي حارق يكاد يمسحها من الخارطة!
طيب والطيار… الآن أعلق على حرقه؟! بعد أسبوع؟!
نعم، لأني لا أعلق على هكذا حدث دون وضعه في سياقه الكامل، وهو ما لم يكن كثيرون مؤهلين لفهمه تحت سكرة العاطفة.
ولأنه لا ينبغي الوقوف عند الأحداث والانفعالات اللحظية تجاهها بقدر الوقوف عند دلالاتها وما وراءها.
فهذا الحدث جزء من مخطط كبير، يشارك فيه البعض بعلم وآخرون بجهل (ربما)! نطالعه اليوم في إرهاصات الهجوم البري الذي يُقحم فيه الأردن، والذي يُذَكِّرنا بنظريات «برنارد لويس» وغيره، ممن يؤكدون أن تفتيت العالم الاسلامي هو السبيل الوحيد لأمن «إسرائيل» التي ستكون الأقوى وسط هذه الفسيفساء!
وأجَّلتُ الحديث لسبب آخَر أذكره آخِر المقال.
يتساءلون: (ما حكم قيام تنظيم الدولة بحرق الطيار الأردني؟).
قبل كل شيء… هل هناك من يهتم بالحكم الشرعي حقيقة؟ سواء الحكومات والقادة أو قادة تنظيم الدولة؟!
السوريون يحترقون يوميا ببراميل الأسد، ومن اسمه عمر إن وقع في يد الميليشيا الطائفية بالعراق يوضع في الفرن، والسيسي حرق المصريين في رابعة، وميليشيا الأنتي بالاكا المدعومة من فرنسا تحرق المسلمين في إفريقيا الوسطى، والبوذيون المدعومون أمريكيا يحرقون المسلمين في بورما… ثم جاءت الدول الراعية بنفسها لتشارك في حفلة الحرق بقذائفها.
هل دعت «الجهات الرسمية» في العالم الإسلامي إلى مؤتمر حول الموقف الشرعي من هذا الحرق ومن يقوم به ومن يساندهم ويفتح لهم المطارات ويقيم معهم التحالفات؟
طيب على الطرف الآخر… تنظيم الدولة، هل هو مهتم بالحكم الشرعي حقيقة؟ هل ينساق وراء الحكم الشرعي ويلتزم به؟ أم أنه يحتطب في الليل على أي نص يبتره من أقوال العلماء -الذين ضرب بسائر أقوالهم عرض الحائط- ليبرر لنفسه الفعلة التي يراها تخدمه عسكريا وتحفظ «هيبته»؛ وترفع معنويات جنوده بعد الانتكاسات، وفي أحسن الأحوال تخدم في نظره ما عرَّفه على أنه «الدولة الإسلامية» في حدودها القُطْرية، ثم بعد ذلك لِيَحْدُث للإسلام وأهله ما يحدث؟!
هل كان يبحث عن الحكم الشرعي في سائر أفعاله التي أنكرها عليه علماء الجهاد فضلا عن «علماء الضلال» في نظره ممن لم يؤيده!
والذين يبررون له كل ما يفعله… هل هم يبحثون عن الحكم الشرعي؟ أم أنهم في الحقيقة أصبحوا (علماء السلاطين الجزء الثاني) يطوعون نصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء لأفعال هذا التنظيم. فـ«إن كان فعلها فقد صدق، ولا بد من إيجاد المبرر، ولو زرعنا في نفوس الناس شبهات تجاه الإسلام، ونفرناهم عن العلماء الذين لبَّسناهم أفعالنا (خاوا) كابن تيمية. كل هذا لنبرر للدولة والخلافة والخليفة»!!
ألم يقع التنظيم والمتعصبون له في نفس خطيئة الحكومات من استعمال الدين بدل الانقياد له؟!
قُولوا لي: من الذي يهمه الحكم الشرعي بالضبط؟ هل سألَتْ جماعة الدولة علماء الأرض الثقات المساندين لقضايا الأمة قبل أن يفعلوا ما فعلوا؟ سؤال ساذج! فعلماء الأرض رؤوس ضلال في عمومهم عند هؤلاء.
طيب هل سألوا علماء وأمراء الجماعات الجهادية في الشام؟ سؤال أغبى! فهؤلاء إما مرتدون أو صحوات أو آثمون بعدم مبايعة «الخليفة»!
طيب هل سألوا «شرعييهم»؟ أم أن «شرعييهم» هؤلاء أصبحوا ديكورا كعلماء السلاطين، وظيفتهم التبرير بأثر رجعي؟!
من الذي يهمه الحكم الشرعي بالضبط؟!
لذا، فعندما لا أرى أيا من الطرفين جادا في الانقياد للحكم الشرعي فإن محور حديثي لن يكون الحكم الشرعي في مسألة التحريق، وإنما في بيان أن الحكم الشرعي لا يستنبط بهذه العبثية: أن يؤتى بنص لابن تيمية (وهو لم ينص على رأيه في التحريق قصاصا بالمناسبة) ويُبرَّر به فعلٌ دون النظر إلى عواقبه وسياقه! وما كان هذا مسلك ابن تيمية وعلماء الإسلام!
طيب وهل كان لهذا الفعل عواقب؟ لا أبدا! إلا:
1. تشويه الإسلام والجهاد (وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله).
2. وإعطاء هدية على طبق من ذهب للعَلمانيين في بقاع الأرض ليلقوا الشبهات في نفوس الناس.
3. وحرق أحلام الأسرى «الإسلاميين» في سجون الأردن، والذين كان يمكن المطالبة بمبادلتهم بالطيار.
4. والتسبب في مزيد من التضييق على الفصائل المجاهدة في الشام (ولو كانت ممن ذاق مرارة تنظيم الدولة)، خاصة مع وجود من يخلطون عمدا بينها وبين التنظيم!
5. وإنقاذ الأنظمة والحكومات العربية أمام شعوبها المطالبة بحقوقها.. الآن: (لا حقوق! إذ لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وليلتف الجميع حول محاربة الإرهاب!).
6. وإعطاء «شرعية» موهومة للتحالف الذي كان عموم الناس يتململون منه ويتأففون ويعلمون أن السيد الأمريكي يزج بأبنائهم ليحقق مطامعه هو ويحارب الإسلام بأبناء المسلمين دون أن يصيبه إلا الانتعاش الاقتصادي بأموال الخليج!
كل هذه النتائج لا تهم! المهم عندهم ما اعتبروه «شفاء الصدور»!
إن كان هناك من يحارب المسلمين على كل حال فهذا لا يعني أن نعطيه المزيد من المسوغات التي يُلَبِّس بها على عامة الناس!
سيقفز لك أحدهم ليقول: (وهل هناك أسوأ مما كنا فيه أصلا؟).
الذي يعيش في الأردن مثلا يعلم أنه بين عشية وضحاها تم الانتقال إلى الحالة المصرية! حيث خرجت الجرذان من جحورها وبثت الثعابين سمومها، لتطالب بإلغاء النصوص القرآنية من المناهج، ولتعتبر أي مظهر إسلامي «دعشنة» يجب التصدي لها!! وهي وقاحة لم تكن معهودة من قبل في المجتمع الأردني.
سيقفز آخر ليقول: (معلش! خلي الناس يُظهرون ما في قلوبهم وتتمايز الصفوف)! نعم… معلش! دعهم يُفتنون في دينهم ويُدفعون دفعا إلى الاصطفاف في غير خندق الشريعة ويموتون على ذلك. وهكذا فلتكن الرحمة بالناس، وهكذا فليكن الترفق بهم، وهكذا فلنأخذ بحُجز الناس عن النار!
سيقفز لك «فهمان» ليقول: أراك تتكلم بلغة المصالح والمفاسد مثل «الديمقراطيين»…
وهل كان هذا التحريق «واجبا شرعيا» في نظرهم حتى يتمسكوا به ويقولوا: (لا نعطل دين الله من أجل المصالح والمفاسد)؟!
ألم تتفكروا في هذه المفاسد كلها؟ أم أن هاجس أنكم أمة دون الناس والطائفة المنصورة سيطرت عليكم فلا مبالاة بما يجري بعدها لسائر أمة الإسلام؟ ومع ذلك فالويل والإسقاط لمن ينقدكم بحجة أن تبرئة الإسلام من كثير من أفعالكم تضركم يا «شعب الله المختار»؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *