نشأة التيار السلفي الجهادي:
يعتبر عدد من الباحثين الإسلاميين أن سطوع نجم «التيار السلفي الجهادي» في سماء ساحة «الجماعات الإسلامية»، وفرض اسمه بقوة على مختلف الأحداث التي يشهدها وقتنا المعاصر، لم يكن ليتم لولا الإسهام الملحوظ من قبل هذا التيار الوليد في بلورة حقبة الصحوة الإسلامية التي ظهرت معالمها الأولى أواخر سبعينيات القرن الماضي؛ جراء انفصاله المنهجي والتنظيمي التدريجي عن «الجماعة الإسلامية» بمصر، والتي كانت تعد بمثابة الوعاء الذي يحتوي جل أنصار «العمل المسلح» حينها.
علما أن «الجماعة الإسلامية» قد شيدت بدورها أركان منظومتها الفكرية على أساسات ذات صبغة سلفية علمية محضة، شكلت هي الأخرى معالم الحقبة الأولى “للسلفية المعاصرة” تحت جناح «جماعة أنصار السنة المحمدية» وعلماء وقيادات من العيار الثقيل؛ أمثال محمد حامد الفقي، ومحمد خليل هراس، وعبد الرزاق عفيفي، ومحمد رشيد رضا، ومحب الدين الخطيب رحم الله الجميع.
يقول الظواهري: «نحن مسلمون من الأمة الإسلامية نحب الخير لكل الناس لسنا تنظيما لكننا تيار فكري وندعي أن هذا هو الإسلام الصحيح والذي يجمعنا هو الفكر» من كتاب التبرئة.
تمهيد:
دأب «التيار السلفي الجهادي» منذ بداياته الأولى على تكريس رؤية إصلاحية شاملة تمزج بين “التوحيد والجهاد” في قالب واحد، عصارته المنشودة هي التمكين لدين الله سبحانه وإنفاذ أمره بين الخليقة بقوة السلاح إن لزم الأمر، ولا يتوانى الجهاديون في اعتبار “المنهج السلفي” كمرجعية نظرية في الاعتقاد والنظر والاستدلال، ناهيك عن توظيفهم لمفهوم الجهاد كعلاج حركي إصلاحي أحادي، ووسيلة تغييرية حتمية لا مناص من امتطاء صهوتها لإحياء الخلافة وإعادة سلطان الله على أرضه.
وبما أن التيار يعد نفسه ممثلا أوحدا للإسلام الصحيح؛ فقد تميز بالتالي عن باقي الأطياف السلفية الأخرى من خلال نسجه لمدونة فكرية مستقلة مزج من خلالها بين روافد استقائية ستة وهي: ابن تيمية، ابن عبد الوهاب، الدعوة النجدية، سيد قطب، محمد قطب، عبد الأعلى المودودي.
تنبيه:
لابد من الوضع في عين الاعتبار أن المنتسبين لـ:التيار الجهادي يرفضون تماما تغليف فكرهم بمصطلح السلفية الجهادية لما يحمله الأخير من حمولة معولمة مشيطنة مرادفة للتطرف والتخريب والتفجير.
خريطة الجماعات الجهادية، وقد مرت بمرحلتين اثنتين:
أ- مرحلة بروز التيارات الجهادية الأولى.
ب- مرحلة بروز قاعدة الجهاد أو القاعدة.
أ- يمكن اعتبار فصيل «شباب محمد» الذي انشق عن الإخوان المسلمين أواخر ثلاثينيات القرن الماضي بمثابة النواة الأولى لظهور جماعات الجهاد المسلح؛ هذا الفصيل الإخواني هو الذي سيقص شريط المرحلة الجهادية الأولى من خلال تنفيذه وتبنيه لعدد من العمليات المسلحة داخل التراب المصري، مما أدى بجمال عبد الناصر إلى استغلال هذه الأحداث وتبعاتها اللاحقة بمكر وتوظيفها بدهاء للبطش ببعض القيادات الإسلامية، أمثال سيد قطب، ومحمد يوسف هواش، وعبد الفتاح إسماعيل..
لكن سرعان ما تمخض التضييق على المكون الإسلامي عن ظهور نتائج وتطورات عكسية تمثلت بالخصوص في ابتداء توالي تأسيس أجنحة جهادية سرية مقتنعة بمبدأ الخروج المسلح على غرار «جماعة المعادي» بقيادة إسماعيل الطنطاوي وأيمن الظواهري، و«فصيل الإسكندرية» بقيادة صالح سرية الذي انشق عن «الإخوان المسلمين» وصولا إلى «الجماعة الإسلامية» و«تيار الجهاد».
وما يميز هذه الحقبة الجهادية الأولى بالذات، اجتماع كلمة الجهاديين عموما بمختلف مشاربهم الفكرية والمذهبية على العمل تحت ظل شعار واحد متفق عليه؛ ألا وهو ضرورة العمل على تغيير الوضع القائم بالبلاد من خلال قوة السلاح.
هذا في الوقت الذي كان فيه بعض القادة يسارعون الخطى لإقبار الخلافات الفكرية والمذهبية التي من شأنها أن تطفو على السطح حينها، محاولات احتواء الخلافات لم تنجح بتاتا في ظل خلاف حاد ما لبث أن تطور فيما بعد بين «تيار الجهاد» بقيادة أيمن الظواهري والدكتور فضل من جهة، وبين «مجموعة الإسكندرية» بقيادة صالح سرية الإخواني الذي رضع عقيدة أشعرية حصافية داخل جماعة الإخوان، وذلك عبر تراشقات كلامية تخوينية حينا، وتكفيرية أحيانا دارت رحاها حول مباحث في الإيمان والكفر، وباب الصفات، ومسائل أخرى تتعلق بالتترس.