(«جاك لويس دوميسني»: «أطلب السماح لي بتلخيص ما شاهدته في ميدان العمليات، خرجت ثلاثة أفواج من سوق أربعاء الغرب، يوم الثاني من أبريل، توقفت في تاغوشت، وفي اليوم الثالث صباحا توجه فوج آخر نحو الجنوب، حيث تبادل هناك بعض الطلقات بالبنادق.
في الرابعة صباحا، كان الوضع هادئا، وفي منتصف النهار هوجم المعسكر، ووصل الفوج الرابع للدعم والمساندة، كانت المواجهة قاسية دامت من منتصف النهار إلى حدود السابعة مساء.
في يوم 5 صباحا، بقي فوج بقيادة الكومندار لابورديري في المعسكر لحمايته بينما الأفواج الثلاثة الأخرى غادرت سوق الأربعاء عبر ولجة السلطان.
في الخامسة صباحا، بدأ هجوم الكلون، الأعداء كانوا شرسين يتكونون من 1600 بندقية، الواجهة الأكثر عنفا كانت على مشرع واد بهت، حيث تم الانقضاض على حامية مؤخرة الكلون، فدارت معركة من منتصف النهار لغاية السادسة مساء، وكانت الحامية مكونة من الكبانية الأولى، والرجمة الثانية للفيف الأجنبي السنغالي، والكبانية الثالثة والرابعة للدعم والمساندة وقد تكبدوا خسائر فادحة.
في السابعة مساء أقيم معسكر على بعد كيلومتر واحد من الواد في الجهة المقابلة، وفي يوم 6 صباحا تجددت المعارك، حيث رافق المغاربة عودة مؤخرة الجيش، التي رغم ما أبداه جنودها من شجاعة تركت معزولة عن مقدمة الكلون المرافق للجنرال العائد للمعسكر الذي غادره صباحا للانتقام لقتلاه دون أن يحقق ذلك الغرض.
وقد قتل له ضابطان و20 من جنود اللفيف الأجنبي، وجرح ضابطان و16 جنديا، ويظهر أن معالي وزير الحرب، أعرف بما يجري في المغرب بالضبط، وهذا ما تسميه انتصارا؟».
الوزير: «نعم».
«جاك لويس دوميسنيل»: «إذا أردتم أن نذهب للمغرب، وإذا أردتم البقاء فيه، عليكم أن تواجهوا الحقيقة التي هي: معرفة الظروف التي سنبقى فيها، كم ستكلفنا؟ وما هي المدة؟ لقد سئمنا من سياسة السكوت، فيما يتعلق بمعسكر تاشطوت، لا بد من إنشاء معسكر جديد في تافوديت على بعد 35 كلم من سوق الأربعاء لحماية الطريق، أو إخلاء هذا المعسكر لصعوبة تمويله وحمايته») (ص:350).
«جاك لويس دوميسنيل»: «اسمحوا لي بأن أقدم لكم رسالتين من هناك لضابطين من ضباط القوات بالغرب تقول الرسالة: «الضباط المبتعثون للمغرب النازلون في الدار البيضاء خاصة ضباط التموين هم من غير ذوي الحظوة والمكانة أو المعاقبون، إنهم الذين يوضعون في القدمة، مكلفون باحتلال المراكز المتقدمة التي تكلفهم عادة حياتهم، في حين يبقى المحظوظون في الوطن يحظون بالترقيات والامتيازات، يأتي بعدهم ضباط القيادة العليا، التي تبقى في الدار البيضاء، بعيدة عن ميدان المعارك، وهي بدورها التي تنسب لها الانتصارات، وتحظى بالترقية والتوسيم.
كل الذين قدموا للمغرب قدموا من أجل تحقيق أغراض شخصية بالدرجة الأولى والمصلحة العامة تأتي ثانوية».
«فورنير صارلوفزي»: «لا تشتم زملاءك هكذا».
«جاك لويس ديموسنيل»: (اسمع هذه الرسالة المؤرخة في 2 فبراير 1912 الموجهة لأحد الأصدقاء: «نحن نتمنى المغادرة في أول هدنة، وفي انتظار ذلك الجنرال القائد الوزير لاحقا صرح بأن الهدنة تامة بالمغرب! في حين أنا أقول: من غير أن أكون متشائما بأن اليوم يمر علينا هنا ونحن في أسوء حال من البؤس والخوف، بحيث أقضي الليلة قبالة المدفأة مترقبا أشاهد التلغراف الذي أبلغت منه أن وضعيتنا ملتبسة، والتي فهمت بأن الوضع هادئ»).
«طرناند»: «لا أصدق أن ضابطا يكتب هذا».
«فورتيير»: «تبالغ في قراءة هذا».
«طورناد»: «بما أنك تضع يدك على هذه الرسالة، أطلب منك أن تعطينا اسم هذا الضابط الذي يتهم رؤساءه».
«جاك لويس دوميسنيل»: «سأقدم لك بالتأكيد اسمه لأنه ببساطة قتل في تافوديت».
«فورنس سالوفيزي»: «هناك أشياء مثيرة».
«جاك لويس»: «إنها الحقيقة، أقول أيضا إذا ضايقتكم الرسالة فإن إكراهات اللحظة أكثر مضايقة لشدتها، والسؤال الواجب طرحه بالتبعية هو: هل المغرب حقيقة ورشة عسكرية أم ورشة مالية؟
منذ سنة طلب السلطان وكذا الوزير الفرنسي هناك الرفع من عدد القوات المبتعثة لهناك، إلا أن طلبهما رفض وذلك قبل أسابيع من المجزرة».
وزير الخارجية: «من قال هذا؟».
«جاك لويس»: «الجنرال «موانيي» لم يتخذ أي احتياط أمني بفاس، وهو نفسه قال يوم 22 مارس (تنقصنا الخبرة في مصلحة الاستعلامات لمتابعة تحركات الأهالي، عدد الأطر العاملة في 75 مركزا لا يزيد عن 65 نفرا، يفتقد كثير من ضباط تلك المراكز الخبرة والتكوين، بحيث يتولى مراكز القباطنة والكومندرات صغار ليوطنا).
بخصوص فاس أشير إلى أن رئيس مصلحة الاستعلامات هو الكومندار «لاموط» لم يكن إلا معارا من مركزه الأصلي بمكناس، عندما كنا بفاس كان مساعدا للقبطان «برتارد»، طيلة مدة بقائنا بفاس كان «لاموط» مسؤولا عن مصلحة الاستعلامات بوجدة، حيث تقدر الساكنة هناك ب،150.000 نسمة، لذلك لم تكن هناك نتائج تنتظر منه.
«جاك بيو»: «عشر سنوات من العمل من أجل الوصول لهذا الحال؟».
«جاك لويس»: «أين نحن الآن؟ أقول ما قاله الجنرال «ليوطي» عندما وصل فاس: (نحن نعسكر في بلد معاد)».
رئيس الجلسة وزير الخارجية: لم يقل هذا أبدا، ولم يكتبه، بل قال؛ هناك أشياء لا تسير على ما يرام» (ص:314).
«جاك لويس»: «ما يجب أن يشغل البال هو ما أسلفت قوله، وهي الوسائل التي وفرناها، هناك عادة 17.000 جندي بالمغرب، قد أكون مخطئا، لكن هناك من قال بأن الرقم قد يصل حوالي 60.000 أنتظر من الحكومة قولا نهائيا في الموضوع، ما هو الرقم الحقيقي للقوات بالمغرب؟ وهو ما يجب عليكم طلبه منها.
إن ما يفعل هناك ليس سياسة تهدئة، وتعاون مع المخزن، وإنما هي سياسة غزو، والرقم الذي سبق أن رفعته لـ60.000 هو في الحقيقة 100.000 الذي يجب إرساله لذلك الغرض».
وزير الخارجية: «أؤكد أنها سياسة تعاون، وهو ما نقوم به دائما، وهو ما كلف به الجنرال ليوطي».
«جاك لويس»: «إذا نحن أرسلنا الرقم الأخير للمغرب ما هي الآثار المترتبة عليه من تكاليف مالية ومعدات حربية وخسارة إنسانية؟ فإذا كانت ميزانية 1907 لغاية 1911 بلغت 1434.415.555.300ف، منها: 120.289.000ف من أجل الحرب، و19.013.000ف للبحرية، ونفقات التهدئة ارتفعت في خمس سنوات لـ4.111.000ف بعد 140 مليون، هذه التهدئة التي لم تنتج شيئا ذا بال!!».
«شارل بنصو»: «اقترحوا الجلاء».
«جاك لويس»: «قدمت التكاليف المالية، لكن هناك أرقام أخرى أكثر إيلاما بالنسبة لنا يستحسن التذكير بها تتعلق بخسارة رجالنا، الخسائر البشرية الرسمية، في ستة أشهر من فاتح ماي لغاية فاتح نونبر 1911 بلغت 80 قتيلا من طرف الأعداء، منهم 30 ضابطا و50 ضابط صف وجندي، كما مات 614 بأمراض مختلفة، منهم 14 ضابط، وأجلي بسبب المرض عن الميدان 4171 رجل.
لا أتوفر على أرقام من فاتح نونبر لغاية 31 دجنبر 1911 لكن عندي أرقام من فاتح يناير لغاية 6 مارس 1912، وهي 105 قتيل فيهم 16 ضابط و239 جريح منهم 9 ضباط، وهذه الأرقام تتعلق بالقتلى والجرحى في المعارك، كما لا يدخل في هذه الأرقام قتلى وجرحى القوات العاملة في ملوية والتخوم الجزائرية، ولو أضيفت لبلغ العدد الألف من القتلى.
هناك أرقام أخرى أكثر إيلاما بالنسبة لنا يستحسن التذكير بها تتعلق بالمستشفيات المدنية والعسكرية والأطباء والممرضين، والخدمة الصحية في المعارك وأثناء التوجه لخوضها، فقد زرت تلك المستشفيات في كل من فاس ومكناس وسوق الأربعاء وتيفلت والرباط والدار البيضاء، وأحيي الأطباء والممرضين المدنيين والعسكريين على المجهود المبذول من قبلهم باستمرار.
ذلك أن الخدمات الصحية يجب الاهتمام بها كما يهتم بتوفير العتاد والذخيرة، وذلك أثناء المعركة وبعدها من معالجة الجرحى وجمعهم من ساحة القتال، ذلك أن هناك إهمالا فضيعا في هذا الباب.
إضافة لبقاء المرضى بالمستشفيات تحت الخيام لأكثر من سنة في فاس حيث يرقد 200 مريض تحت الخيام، وفي مكناس لاحظت لما مررت من هناك في 12 أفريل تواجد 115 جريح حرب يرقد في المستشفى الذي أقيم في يوليوز 1911».
«ابيل فيراس»: «قرأت مقالا لشلتوليي يبين فيه السياسة الواجب اتباعها بالمغرب وهي كما كتب.
نحن أمام سياسة الإمكانيات وليس أمام سياسة المطمح، وأعتقد أننا أمام ملخص ما يجب عمله في هذا المجال، ما يجب القيام به في المغرب هو سياسة أهلية حازمة ومتسامحة أيضا قدر الإمكان، لكن مركزة على النقط التي نريد الوصول لها من خلال تحركنا، يجب التحلي بالصبر وتلخيص برنامج الحماية في القليل من الكلمات، كما لا يجب إغفال العقلية الإسلامية في عملياتنا العسكرية، جعل أغلب القوات العسكرية من الجزائر عمل غير موفق لوزير الحرب لأنه سيخلق لنا متاعب لاحقا مع الأهالي».
«جاك لويس»: «يجب عدم استعمال سياسة التسامح والصبر والنضج بالمغرب لأن هذا البلد هش شديد الخطورة، المطلوب سياسة مقتصدة فلا يجب تضييع الذهب الفرنسي من أجل تعزيز الرأسمال المقام هناك، إذا أردتم لعيب السلام الفرنسي في بلاد المغرب، ثقوا بي أنه إذا أرسلتم 100000 رجل يمكن أكثر، فإنكم تغامرون بإنهاك العاصفة وشقها، وتوقظون حلمكم بالغزو.. إما موت أو حزن» (انتهى منه).