سب الله ورسوله من أقبح الذنوب وأعظمها على الإطلاق.
ولكن مع ذلك؛ من الذي قال: إن توبة الساب لن تقبل؟
ألم يعلم أن النصارى قد زعموا أن لله ولدا، من خلقه، هو عيسى ابن مريم عليه السلام؟
ألم يعلم أن هذا من أعظم الكذب والافتراء على الله، الذي يستحق أن تنهد له الجبال الرواسي، كما قال الله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا، لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا، تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) مريم/88-92.
ألم يعلم أن هذا من أعظم السب لله جل جلاله، وأعظم الشتم له؟
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (قَالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لاَ أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ، فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ، فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا) رواه البخاري 4492.
ومع ذلك كله: فقد دعاهم الله جل جلاله إلى التوبة إليه، واستغفاره من ذنوبهم: قال الله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ، أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) المائدة:73-74 .
فما الذي يحول بين العبد وبين التوبة يا عبد الله؟
ليس هناك ذنب أعظم من الكفر بالله، والشرك به، وقد قال الله تعالى: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) الأنفال:38.
ومن غير أن نعدد الآيات، والنداءات لأصحاب الجرائم، والموبقات أن يتوبوا؛ قد دعا الله عباده دعوة عامة للتوبة إليه، مهما أذنبوا وفعلوا، فإن الله لا يتعاظمه ذنب، متى تاب عبده إليه: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر:53.
وفي الحديث القدسي: (يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ، وَلَا أُبَالِي، يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً) رواه الترمذي:3540، وصححه الألباني.
فهل يظن بعد ذلك أن الله لا يغفر للعبد؟
هل تعلم أيها القارئ الكريم أن الله وعد التائب من الكفر والقتل والزنا بالتوبة والقبول، وهؤلاء أمهات المعاصي في العالم: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا، وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) الفرقان:68-71 .
إن الأعظم، والأخطر عليك من ذلك الذنب كله: أن تيأس من روح الله، أو تقنط من رحمة الله، فلا شيء يظفر به الشيطان منك، أحب إليه من ذلك؛ قال الله تعالى: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر:56 .
فاحذر منه، وأقبل على الله، وبادر بالتوبة، واغسل بماء الندم، ما سلف منك من الذنوب والخطايا، واستكثر من الخيرات، والحسنات، والزم باب ربك آناء الليل وأطراف النهار، وأحسن الظن به، فهو كريم ودود رحيم.. سبحانه !!